كاتب إماراتي
يدخل الأب سعيداً إلى المنزل، وهو يعتقد فعلياً أنه أب صالح، طالما أنه يقوم بمجموعة من «الأكتيفيتيز» العائلية في نهاية كل أسبوع، يصرخ في صغاره: هيا يا أحبائي، أروني من منكم البطل الذي يستطيع أن يصلح أكبر عدد من اللمبات العاطلة على سور المنزل.. يتنافس الصغار، ويدير الأب نظراته فيهم بفخر.. وبالطبع يفوز أحدهم.. الأسرع أو الأقوى أو الأخبث في كثير من الأحيان، يصفق الأب ويمنح قبلاته للفائز ومجموعة من النصائح للبقية.. ينام سعيداً بالإضاءة الجديدة لسور منزله، وهو لا يعرف أن في المنزل ذاته عدداً من القلوب الصغيرة المكسورة يجافيها النوم، لأنها خسرت في شرف المنافسة.
في الثقافة العربية الاجتماعية كل الأمور غالباً تجري حول مبدأ «المنافسة»، لن تعثر بسهولة على ذلك الأب الذي يريد أن يقيم الفعالية ذاتها، وهو يقول للصغار ذاتهم حينما يدخل المنزل: هيا يا أحبائي، لنتعاون اليوم جميعاً على أن ننهي إصلاح اللمبات العاطلة على سور المنزل قبل الغروب، مهارات أن تجعل عدوك هو الزمن أو التحديات لا تجدي كثيراً مع أسلوب تنشئتنا.. بل تجد غالباً اللذة – كل اللذة – في أن يكون الخصم منا، في أن نحقق الفوز على بعضنا، في أن نؤذي بعضنا بإظهار أننا أفضل منهم.. في أن نحول تفوقنا إلى شماتة، ونستمتع برؤية الانكسار!
الأمر له جذور تاريخية واجتماعية موغلة في نمط تفكيرنا؛ فأبوجهل – وما أكثر أشباهه اليوم – لم يفكر في أن المشروع النهضوي والحضاري أكبر من المنافسة السخيفة بين فخذين من أفخاذ القبيلة، وإنما اختصر غباء التفكير والأمر كله في: «أبعد أن صرنا كفرسي رهان.. يقولون منا نبي..»!
والكثير من الأمور مازالت تدار في البيوتات العربية العائلية والثقافية والاقتصادية والسياسية بالنعرة نفسها.. لا يمكن أن أسمح للقريب بالمنافسة! أما الأجنبي فنقاطه لا تحتسب فهو أصلاً خارج اللعبة.. المنافسة بين أفراد القبيلة فقط.
تحوير قضية وجينة المنافسة، التي تكسر نفوس كثيرين من بشر وإدارات ومؤسسات إلى جينة تعاون تجعل الجميع يشعر بأنه جزء من كل إنجاز، هي قضية رغم أنها قد تحتاج إلى أكثر من جيل لتغيير نمط التفكير.. إلا أن فوائدها ستكون أكبر!
ويكفي أن التعاون يعني مشاركة الجميع؛ بينما التنافس لا يعترف إلا بفائز واحد.
فائز واحد لا يهمّه كم عدد القلوب المكسورة التي تركها، لأنها أخفقت في مجاراته بإصلاح اللمبات المحترقة على حائط المنزل!
المصدر: الإمارات اليوم