مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
ماذا يحدث لنا حينما نمرض؟ حينما نسقط في قاع اللاحول واللاقوة، حين نصبح أضعف من أن نحرك أجسادنا أو أيدينا لنهش ذبابة تقف على وجهنا؟
ما الذي يتغير في نظامنا الجسدي والنفسي حين يطول بنا المرض ولا يلوح أي ضوء في النفق؟ كلنا سقط في حالة المرض القصوى، أو حالة انعدام القدرة على فعل أي شيء مهما كان صغيراً، فما الذي يخطر ببال الإنسان في هذه اللحظة؟ ما الذي يتغير فيه وما الذي يعتريه؟
إن شعور الامتنان لأصغر النعم المتاحة وأكبرها، هو ما يظل ناهضاً أمام أعيننا وفي قلوبنا طوال لحظات المرض، يظل الإنسان في حالة مقارنة بين ما كان فيه وما أصبح عليه، وفي حالة تفكير عميق في كون الإنسان كائناً شديد الهشاشة يمكن أن ينكسر سريعاً كمصباح زجاجي، وأن كل ما هو عليه من قوة وبأس وصحة وعنفوان يمكن أن يتبدل في طرفة عين، لينشغل الدماغ في ورطته الأزلية: طرح المزيد من الأسئلة المعذبة! لماذا حدث لي ذلك؟ كيف؟ وهل أعود لما كنت عليه ووو؟
يعلمنا المرض خصلة الامتنان لنعمة الصحة والعائلة والأصحاب ومتعة الوقت.
يعلمنا المرض النظر إلى كل شخص وكل شيء بمنظور القيمة لا بمنظور الشكل أو العلاقة الظاهرة، فليس كل إنسان قريب منك في لحظات العافية سيكون كذلك في لحظات المرض، أنت تحتاج عائلتك وأصحابك في لحظة السقوط، أما حين تمتلك ساقين قويتين فبإمكانك ارتداء أحذية من ريح والانطلاق في جهات الأرض وحيداً دون أي مشكلات، ففي الطريق هناك دائماً رفقاء مرحبون!
«منظور القيمة» درس المرض الأهم، حيث لا تبقى الأشياء في ذهنك كما هي، أنت الآن تفكر في قيمة العافية والصحة والاستمتاع بمباهج الحياة، والتواصل مع من تحب، وترك التفاهات التي حرمتك من أشياء كثيرة، تنظر إلى قيمة حبة الدواء، ونعمة الطبيب، وأهمية باقة الورد وابتسامة الزائر، وقيمة الممرضة التي تجيد تركيب الإبرة في ظاهر يدك ليتسلل مسكن الآلام إلى دمك فترتاح وتنام..
في مرضك تتغير الصور في عينيك وتصبح شفافاً كنور، يغسلك المرض حتى تصير نقياً تماماً من كل الشوائب، قبل أن يلقي بك معافى من جديد على الجانب الآخر من الشاطئ!
المصدر: البيان