خبراء وأكاديميون: الفساد يفقد المملكة نحو 55 مليار ريال سنوياً

أخبار

قال رئيس لجنة الشؤون التعليمية في مجلس الشورى الأمير الدكتور خالد بن عبدالله آل سعود، إن اللجنة ليس من مهامها مناقشة أي فساد قد يحدث في وزارة التربية والتعليم، مؤكداً في حديثه لـ «الشرق» أن مُساءلة وزارة التربية عن اختلاس مالها أو كل ما يحدث داخلها من تجاوزات ليس من شأن اللجنة، بل من شأن الوزارة نفسها، لافتاً إلى أن المجلس يناقش المواضيع التي تطرح عليه للتصويت.

في حين قدم عدد من الخبراء والأكاديميين حلولاً فاعلة لتقليل نسبة الفساد التي تورطت بها مؤسسات وجهات حكومية عقب كشف «الشرق» لاختلاسات تقدر بأكثر من 150 مليون ريال في إدارة التربية والتعليم بالرياض، تورط فيها مسؤولون نافذون، وقدر الخبراء الفساد في المملكة بأكثر من 55 ملياراً سنوياً وفقاً للبحوث والدراسات العالمية التي حددت نسبة الفساد في جميع دول العالم بما لا يقل عن 5 %.

مطالبين بإنشاء محاكم خاصة للنظر في قضايا الفساد وإنشاء جمعيات خيرية ومراكز استشارية لمحاربته في كل وزارات الدولة وعلاج موظفيها من المشكلات النفسية التي تحرضهم على الفساد.

الأمير د. خالد بن عبدالله

ثقافة المجتمع

وقال أستاذ الخدمة الاجتماعية المساعد في جامعة الملك سعود، الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الدخيل «إن قضيتي الفساد الإداري والمالي ترتبطان بثقافة المجتمع وأخلاقيات الأسر منذ التنشئة، التي ينبغي أن يسودها ثقافة القانون التي تمنع ارتكاب الأخطاء الجسيمة في حق المجتمع، وفساد أي موظف أو مسؤول يندرج ضمن الانحراف السلوكي الذي يجب أن يعاقب عليه القانون بشكل حازم، وفي حال تجنب المجتمع الإفصاح عن هذه الأخطاء وكشفها، يصبح فاسداً بشكل عام».

د. عبدالعزيز الدخيل

علاج الفاسد

وعن سبل علاج الموظفين الفاسدين، قال الدخيل «من الصعب علاج الفاسد، خصوصاً بعد تنشئته الخاطئة وترعرعه في بيئة هيأت له الفساد منذ الصغر، حيث إن علاجه الوحيد العقاب لكي يتعظ غيره».

وأشار الدخيل إلى أن قطع إشارة المرور أو السرعة المفرطة أو أي سلوك من هذه السلوكيات الخاطئة تعد بداية الفساد والتعدي على القانون، مبيناً أنه في حال غياب الأنظمة وتطبيق القوانين تصبح الجهات شريكة بالفساد.

حلول اجتماعية

ودعا الدخيل لحماية المجتمع من الفساد أو تخفيفه، لإنشاء عيادات استشارية واجتماعية في كل القطاعات سواء حكومية أو خاصة للتعامل مع الموظفين في كل مشكلاتهم العملية والأسرية التي قد تؤثر على سير عمله وتجاوزه عليه، مؤكداً أن كل الدول المتقدمة تعمل على هذا النظام الذي ساعد على تحسين الإنتاجية وضبطت سلوكيات الموظف.

وشدد الدخيل على ضرورة توقيع جميع موظفي الدولة لميثاق أخلاقي، من ضمن بنودها قضايا السرقة والاختلاسات والوساطة، ليتجنب التعدي بأي شكل من الأشكال على الجهة التي يعمل بها.

محكمة خاصة

وقلل المحامي والمستشار القانوني أحمد الراشد من دور الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» في تقليص حجم الفساد في المملكة، مشيراً إلى أن دورها لم يفعّل حتى الآن منذ أكثر من سنتين على إنشائها، خصوصاً مع شُح عدد الموظفين فيها، مؤكداً أن الهيئة تخاطب أعلى سلطة في وزارات الدولة، وهو الوزير الذي قد يكتم التساؤلات والاستفسارات ويحفظها دون أن يجيب عنها، مشدداً على ضرورة استجواب الوزير ومساءلته.

ضعف الرقابة

وعلق الراشد على «إقصاء موظف كشف اختلاس أكثر من 150 مليوناً في إدارة تعليم الرياض»، قائلاًَ: «تبين للجميع مدى التسيب في وزارة التربية والتعليم وضعف الرقابة على مالها، ويجب على جميع من وقّع على العقود المزدوجة أن يحاسب ويُساءل، حيث إنه مشارك في الجريمة، مطالباً بالتحقيق مع مدير تعليم الرياض كونه الأساس في الإدارة، مؤكداً أن هناك مفسدين يتسترون على التجاوزات والاختلاسات، ويجب أن تتدخل هيئة مكافحة الفساد، وأن يكون لها دور فاعل في هذا الأمر.

وطالب الراشد بإنشاء محكمة مختصة للنظر بدعاوي الفساد المالي، حيث إن أي مواطن يبلغ عن أوجه فساد لا يجد حالياً أي أريحية في تقديم بلاغه، خصوصاً بعد توقيعه على تعهد بأن دعواه صحيحة ولا يشوبها شائبة، مضيفاً: هذا يعد تخويفاً للمواطنين، إضافة إلى أن القضاء يطلب من أي مواطن ثبوتات على اتهاماته، التي قد لا تتوافر لديه.

مرض نفسي

بدوره، اعتبر أستاذ علم النفس الإكلينيكي الدكتور عبدالله الحريري أن فساد الموظف أمر يعود لمرض نفسي ولد معه منذ الصغر، حيث لم يتبن البيت ولا المدرسة تربيته وحثه على مكارم الأخلاق منذ طفولته، مشدداً على أن الوالدين لهما الدور الأكبر في تعزيز مشكلة فساد ابنهما الموظف عبر مصطلحات دارجة كمصطلح: «خليك ذيب» و»تغدا عليهم قبل لا يتعشون عليك».

تصحيح المفاهيم

وبيَّن الحريري أن تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة أمر ضروري عبر تكثيف برامج التوعية للمسؤولين وربطها بالقيم الدينية والحضارية والاجتماعية، إضافة إلى عدم تجاهل وسيلة العقاب للحد من تفشي ظاهرة الفساد.

وخرج الحريري بفكرة إنشاء جمعية مجتمع مدني للحد من الفساد مثل ما هو معمول به في كل الدول بالعالم، التي لديها ثلاثة قطاعات: حكومي وأهلي والخيري، في حين أن المملكة تفتقد إلى الآن لجمعية خيرية تقوم بتعزيز قيم النزاهة وتبني متطوعين للعمل فيها لأن تقوم بعمل كبير لم تقم به هيئة مكافحة الفساد الحكومية.

د. عبدالله الحريري

عملية متوالية

ولفت الحريري إلى أن انتشار الفساد بالمملكة أتى عبر عملية متوالية بتخريج دفعات من المفسدين من الأسر التي تفتقد لقيم النزاهة، قائلاً: «قد ترى نماذج لأوجه مختلفة من الفساد في أسرة واحدة، فالأب يختلس من عمله، والأخ يتوسط لأخيه، والأخت تنجّح طالبة لديها لأنها على قرابة بها».

أسدٌ بلا أنياب

وانتقد المحلل والخبير الاقتصادي فضل البوعينين هيئة مكافحة الفساد واصفاً إياها بالأسد دون أنياب، بحكم ضعف دورها أمام الوزارات والجهات الحكومية التي تتمتع بموظفين فاسدين بالدرجة الأولى، جازماً بأن الهيئة لن تستطيع أن تقوم بدورها وواجبها، بسبب فقدانها للسلطة الكافية للبحث والتحقيق بالفساد – على حد تعبيره – مشدداً على أن الهيئة لديها فساد علني من خلال المشاريع الحكومية صاحبة أعلى تكاليف في منطقة الخليج، والأطول زمناً في التنفيذ والأدنى جودة في المخرجات.

فضل البوعينين

سرطان الفساد

وشبه البوعينين أثر الفساد على اقتصاد أي مجتمع بـ»السرطان في جسم الإنسان»، وقال «إذا عولج في بدايته جسد الجسد وأصبح أكثر قوة ومتانة، وفيما لو ترك استشرى في جميع الأطراف، فعندها تكون المعالجة أمراً صعباً وأشبه بالمستحيل».

مبيناً أن أغلب الدول تنشئ أجهزة خاصة لمكافحة الفساد بشتى أنواعه، بعيدة كل البعد ولا ترتبط بالحكومة، وتكون أرفع من أي جهة أخرى لكون لديها استقلالية تامة، وسلطة قوية على جميع مستويات الوزارات والمسؤولين.

خسارة 55 مليار ريال

وأضاف البوعينين «كلما كان هذا جهاز مكافحة الفساد قوياً ومكيناً كان ذلك من مصلحة الاقتصاد الذي يفقد وفق النسبة الدولية لحجم الفساد المقدرة بـ 5% لدى الدول من ناتجها القومي بأسباب الفساد بشتى أنواعه، حيث تعتبر خسارة كبيرة، خصوصاً عند فقدان أكثر من تريليون ريال من دول العالم سنوياً. فيما يخسر العالم العربي وفق هذه النسبة 350 مليار دولار، والمملكة بدورها تخسر سنوياً بما يقارب 55 مليار ريال من الفساد الذي حل بها».

وأشار البوعينين إلى أن نسبة الفساد العالمية قد تقل عن نسبة الـ 5 % ليس بسبب نزاهة مواطنيها، بل بسبب قوة سلطة هيئة مكافحة الفساد في تلك الدول.

ميزانيات ضخمة

وأشار البوعينين إلى وجود ميزانيات ضخمة تنفق على الجهات الحكومية كل عام، ممتعضاً من إنفاق تلك الجهات لمخصصاتها بإهدار عالٍ، وقال «في المقابل عند النظر للواقع والبحث عن مخرجات هذا الإنفاق على أرض الواقع لا ترى شيئاً حقيقياً ولا تصل لمستوى الإنفاق الكبير الذي هو كفيل ببناء دول وليس تحسين مستوى ومظهر مدن داخل الدولة.

وأضاف البوعينين «مَنْ لا يستطيع تدبير أوجه الصرف للمال العام، فعليه ألا يتصدر رأس الهرم في إدارته أو وزارته، فهو حتى إن لم يسرق أو يختلس فإنه سيعتبر فاسداً بالمعنى الصحيح، فالفساد لا يتعلق بالسرقة المباشرة فحسب»، مشيراً إلى التأثير السلبي على أداء الأسواق المالية بظهور الأزمات والانهيارات عليه.

تجاوب الوزارات

واتفق الخبير والمحلل الاقتصادي محمد القحطاني مع البوعينين في إجمالي المبالغ المسلوبة من المملكة بسبب الفساد سنوياً، لكنه اعتبر في الوقت نفسه أن النسبة متفاوتة من دولة لدولة أخرى، فقد يبدأ الفساد لدى دول من 0.5% ويصل إلى 60%. واصفاً رئيس «نزاهة» بـ»الرجل المحبط» من عدم تجاوب الوزارات معه.

المصدر: صحيفة الشرق

محمد القحطاني