كاتبة سعودية
هل فكرت في حياة شاب بلغ من العمر 34 سنة ومازال يأخذ مصروفه من والده، هل شعرت مرةً بإحساسه حين تُمرر له والدته مبلغاً من المال كانت قد طلبته من والده المسن لنفسها، لتضعه له في محفظته في الخفاء، لأنها تعلم جيداً بأنه يخجل ولن يتجرأ أن يطلب من والده، بل سيلوم نفسه في كل مرة يجد تلك النقود لأنه يشعر بأنه عالة عليهم، في الوقت الذي كان يتمنى أن يعينهم ويساعدهم، هل فكرت يوماً كيف يقضي ذلك الشاب العاطل حياته وبماذا يحلم، وهل يرى نفسه في مستقبل قريب مع زوجة وأطفال، أم الاكتئاب طمس الأمنيات والأحلام وقتلها حتى في أحلامه لأنه عاطل، هل جرّب المسؤول ذُل انتظار الوظيفة التي تعد المصدر الأساس لدخل ثلاثة أرباع السكان هنا!، إذن كيف يتوقع أن تكون نفسية رجل تخرج منذ خمس سنوات فني أشعة مازال ينتظر قرار التعيين!! ومن أين يعتقد تُدبر مساعدة طبيب الأسنان أمورها لكي تُعيل أبناءها وتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية؟!
لا تختلف قضية خريجي الدبلوم الصحي عن خريجي الكليات المتوسطة كثيراً، بل القضيتان وجهان لمعاناة واحدة تسبب بها مسؤول سابق، في نظام تعليمي سابق ليعاني منها جيل كامل، كان يمشي الفرد منهم في أمان الله في سنوات دراسته، وحين وصلوا لنقطة ما بعد التخرج سقط الواحد تلو الآخر في بئر البطالة التي تركت مفتوحة عمداً دون غطاء، لأن من حفر البئر كان لا يتوقع بأنهم سيمرون من هنا!!
حين اعترض التجار منذ مدة على قرار توطين وتأنيث الوظائف في المحلات التجارية، اختلقوا كمية رهيبة من الأعذار والحجج العجيبة ناهيك عن الاتهامات والشائعات التي تبرأ منها حتى طوب الأرض، كان هدفهم الأساس الإبقاء على الأيدي العاملة الرخيصة مهما كان الثمن، ليكشف الجشع عن وجوه بشعة ارتفعت أصواتها لمحاربة التوطين، بدت في أوقات كالحرب ضد الإرهاب!، وبعد سنوات من الانتظار على صفيح ساخن استنزف طاقاتهم وأهدر سنوات من أعمارهم، لم يكن أمام خريجي الدبلوم الصحي سوى إيصال تلك المعاناة إلى والدهم خادم الحرمين الشريفين بعد أن فقدوا الأمل في أن تنصفهم الجهات المسؤولة، ولا أدري كيف لا تشعر أي جهة أو وزارة بالخجل حين يقوم الملك بواجباتهم بنفسه، فأصدر وزير الصحة على إثر ذلك قراراً بتعيين 2151 خريجاً وخريجة من حملة الدبلوم الصحي من أصل 4000 شملهم الأمر الملكي الذي قضى بتعيين من اجتاز التصنيف المهني في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية وبحسب نتائج المفاضلة التي تمت بوزارة الخدمة المدنية ولم يستثن سوى من يعمل في وظيفة حكومية، فيما بعد وقفت الجهتان في حيرة عاجزتين عن إكمال تنفيذ الأمر الملكي لتتقاذفا المسؤولية أمام مرأى ومسمع الآلاف، وبعد مرور سنتين من صدور الأمر، عادت التعقيدات والبيروقراطية تطل من جديد بشكل يستدعي حقاً المساءلة والتحقيق، إذ قررت الخدمة المدنية استبعاد مجموعة بحجة عدم المطابقة، وحين يطلب الخريج ذلك يأتي الرد بأن موعد المطابقة انتهى، فمن لديه تصنيف لم يحصل على مطابقة ومن لديه مطابقة لم يحصل على تصنيف، ومن لديه كل شيء ومستوف الشروط لا يملك أرقاماً، وهكذا تستمر سلسلة من الإحباطات لا تنتهي! وعلى الرغم من اجتياز عدد كبير منهم اختبار الهيئة للتخصصات الصحية وتصنيفهم ومنحهم رخصاً لمزاولة المهنة، بمعنى استوفى الأغلبية جميع المتطلبات والتعقيدات التي وضعت أمامهم، قوبل ذلك بالتجاهل تارة والتصريف تارة أخرى ليتم إرغامهم على الانتظار من جديد، فما زال موقع الخدمة المدنية يبرر بأنه «لا تتوفر أرقام شاغرة»، ولا توجد وظائف كافية، ولا أصدق كيف لوزارة أن تعجز عن حل هذه المشكلة، ونحن نرى يومياً مدى النقص الرهيب في العاملين في المستشفيات الحكومية والخاصة، ومع ذلك اتصلت بعض الخريجات بسكرتير وزير الصحة الذي أكد لهن بأن الوزارة مازالت تعاني من نقص في الكوادر ولكنهم في انتظار الدولة لكي تصرف لهم أرقاماً!! وهكذا تقضي تلك الأنفس وقتها بين تخدير ومماطلة، ومصاريف إضافية لمشاوير تتكرر يتكبدون ثمنها للمراجعة، دون تحديد جدول زمني معين، ودون إيجاد حل بديل، ودون مصروف مؤقت بل مزيد من الديون التي تتراكم على ظهورهم، ودون تعويض عن فشل جميع الخطط التي وضعتها الجهات المسؤولة التي لم تفكر في مصير الخريجين من المدرسة.
المصدر: الشرق