كاتب سعودي
هذا المقال كتب مشاركة بين المهندس حسين أبو داود ومحمد الساعد.
إننا موعودون بمستقبل زاهر بالأفكار والنظريات الخلاقة، التي نتمنى تطبيقها ورؤيتها على أرض الواقع، لكن من المنطقي وقبل الحديث عن الوعود، أن نرى البذور الأولى قبل أن نرسم الأشجار، وهو أمر لن يتحقق بدون إصلاح حقيقي للتعليم، وسوق العمل، والقطاع العام، والنظام الضريبي أو لنسمه نظام الرسوم، والشفافية والمحاسبة.
عند الحديث عن التعليم لا بد أن يتم «تعليم» المعلمين أولا، فهل يمكن لهؤلاء أن يقودوا أولادنا للوصول إلى رؤية 2030، لعل التحدي أكبر من طاقتهم، لذلك يجب أن يعالج الأمر
بمزيد من التدريب ووضع خطة زمنية ننتظرها خلال 12 سنة على الأقل، هي البداية المتواضعة لتأسيس جيل آخر نتطلع أن يبني مستقبلنا غير الذي نراه اليوم.
كذلك علينا بناء شخصية الطالب الجامعي، فهو اليوم يتعلم بسبب المال، لا من أجل الحصول عليه، إنه امتداد لمرحلة الراحة والاتكال على الأسرة والحكومة في تقرير حياته، بينما الحياة التي سيختبرها مستقبلا تتطلب إعدادا منضبطا وصلبا.
نحن لن نعيش كما عشنا طوال المئة العام الماضية، قد نكون أغنياء وفقراء، لكن ذلك الغنى والفقر سيكون أيضا وإلى حد كبير مختلفا، وأحيانا غير منطقي مقارنة بما جربناه، مقاييسه ومرارة الشعور به ستضحي صعبة إذا لم يتأقلم الجميع معه.
نحن لسنا في أزمة اقتصادية، ولكننا بالتأكيد سنكون في غمار أزمة هائلة، لو سمحنا باستمرار إهدار المال العام، كمؤسسات تنموية يجب أن يكون لديها القدرة على التفريق بين الحاجة والبذخ، وأحيانا بين أهدافها والإدارة الصحيحة لميزانيات المشاريع، مع تبنيها الشفافية الكاملة، وهنا يأتي دور مؤسسات مستقلة تمارس الرقابة والمحاسبة.
وكمواطنين نحن معنيون بالتوقف عن الإسراف في مصاريفنا الشخصية، وتعلم الادخار، والاستثمار في تعليم الأبناء، فهم الرافعة التي تحول الطبقة الفقيرة لمتوسطة وغنية.
إن قرارات الدولة الصائبة التي اتخذتها في إطار ترشيد النفقات، ينبغي أن تكون البداية، في الوقت الذي ينبغي عليها أن تقف بشدة مع الفقراء ومنخفضي الدخل – مواطنين وموظفين ومتقاعدين -، من خلال المساعدات المباشرة الكافية والمتنوعة.
وفي إطار السعي لتنفيذ برنامج اقتصادي طموح، يسير بموازاة القطاع الخاص، وقادر على تحقيق الرؤية والبرامج المقترحة، على الحكومة المناط بها تشغيل «البلاد والعباد»، تنفيذ هيكلة صارمة في القطاع العام، تبدأ بإخراج موظفي الدولة الذين لا حاجة لهم، ممن يعطل بقاؤهم العمل، أو الذين ينتظرون التقاعد فقط وهم غير منتجين.
لذلك يتحتم علينا وضع خطة لثلاث سنوات تخفض ما نسبته 15 %، من حجم العاملين في القطاع الحكومي بمعدل 5% سنويا، بدمج المهمات والإدارات، وتحفيض سن التقاعد، ودعم كبار السن في الخروج من الوظيفة مع مكافآتهم، وإخراج المهملين غير المنتجين، وتقدير المتفوقين المبدعين، مع دعم القطاع العام بتوظيف 2% سنويا من ذوي الكفاءات الشابة أو المتخصصة اللازمة لتحسين الأداء.
عند الحديث عن دعم الإيرادات العامة، علينا الاتفاق أن جمع الرسوم ليست تنويعا لمصادر الدخل، بل هي دعم للإيرادات القادرة على تلبية المصروفات، التحدي الحقيقي هو بناء نظام ضريبي متكامل، وخلق الفرص الاقتصادية، وجلب الاستثمارات لتنويع الموارد المالية.
ويمكن البدء سريعا بفرض ضريبة دخل سنوية بنسبة 5%عن دخل جميع الأفراد الذي يزيد على ربع مليون ريال، مع مراعاة عدد أفراد أسرته، و10% فوق المليون، و15% فوق الخمسة ملايين، وصولا لـ20 % لمن يزيد دخلهم السنوي عن عشرة ملايين ريال.
تحصيل الزكاة يحتاج لتطوير هو أيضا، يحولها لمورد مالي يساعد في إنشاء مشاريع استثمارية تنموية، تعود على المستحقين بالفائدة، لتحقيق مقاصد الزكاة.
أين زكاة أموال الأفراد من أرباح رأسمالية من داخل البلاد وخارجها، بعضنا يقبل بدفع 30% وأكثر ضريبة خارجية، ويعتبرها جزءا من زكاته، يجب أن يخرج الجميع ما عليهم من زكاة أموال، ويثبتوا ذلك لدى مصلحة الزكاة، مع إعطائهم حق صرفها في مقاصدها، وإذا لم يلتزموا، تجمعها الدولة أو ما بقي منها؛ لأن لها حق الولاية على المواطنين من فقراء ومساكين، وتصرفها في منافعها.
بالمقابل، عندما تؤخذ الزكاة، وتدفع الضرائب، وتحصل الرسوم المفروضة على الخدمات، يحتاج الدافع الى أمرين هامين، الشفافية الكاملة في طرق صرفها مع إخراج بيان مالي سنوي بذلك، والثاني المساواة في الاستقطاع بين الجميع، مع ضرورة خفض المؤسسات المالية كل الأموال التي تصرف خارج الميزانية بنسبة 15% بداية ودون استثناء.
متمنين على مجلس الاقتصاد والتنمية أن يتبنى المحافظة على القطاع الخاص، الذي سيتحمل جزءا كبيرا من مسؤولية تنفيذ الرؤية، وعليه تحفيزه لخلق وظائف جديدة وليس استبدال الأجانب بالسعوديين كما هو الآن، فالتحدي والنجاح يأتي من معادلة «كم وظيفة جديدة» دخلت سوق العمل، وما هي تلك الوظائف ونوعيتها وقدرتها على الصمود.
إن القطاع الخاص في حاجة ماسة للحماية من التدخل في إدارته وشؤونه، من وزارة العمل والبلديات ومجلس الشورى بقراراتهم العاطفية، التي ستؤدي إلى فشله لا محالة، في حال بقيت تلك الأنظمة دون نقد وإصلاح.
المصدر: عكاظ