كاتب ومستشار قانوني إماراتي
نظراً لما تعيشه شعوبنا العربية في الوقت الحالي من أزمات فكرية وأخرى نفسية، أصبح لا بد لنا أن نقر بوجود خطأ جيني في تركيبة العقول العربية، وهذا ليس تهجماً بل دفاع عن عقولنا، فبعد أن نعتنا الآخرون بالمتخلفين والرجعيين فلنصارح أنفسنا ونُحسِنَ من واقعنا.
الخطأ الأول في »تركيبة العقول العربية« هو عدم تقبل فكرة الأفضل والأصلح، وعدم الاعتراف بالخطأ وهو ما يخالف الحقيقة، فالإنسان بطبيعته خطاء، لكن نحن دائماً ما ندعي أننا الأفضل والأحسن والأقوم، فتجد الكثير من الأشخاص يدعون المثالية ولا يقبلون الانتقاد ولا حتى النصيحة على الرغم من أخطائهم الواضحة، ويرفضون الرأي الآخر لمجرد أن عزة نفسهم لا تسمح لهم بالاعتراف بأنهم في حاجة إلى الإصلاح، وفي بعض الأحيان يعتبرون أنفسهم أوصياء على الناس.
الخطأ الثاني يتجسد في »تحجر العقول العربية«، لذا علينا أن نرى أنفسنا بوجهة نظر الغير ولا نحكم على أنفسنا بأنفسنا، لأنه كما يقول المثل (القرد بعين أمه غزال) فلا يجوز أن نكون »الخصم والحكم«، ومن شدة تحجرنا الفكري وانسياقنا وراء الأفكار المحفورة في عقولنا منذ آلاف السنين دون أن نفكر حتى في تغييرها ويصدق فينا قول إن »التعليم في الصغر كالنقش على الحجر«.
ومثال ذلك مسألة قبول الآخر على أساس فكره وثقافته، فهنا نثبت أن عقولنا متحجرة في الحكم على الآخرين، فنحن نحكم عليهم من منطلق الدين والطائفة والجنسية واللون وصولاً للقبيلة، وإن بتنا نلاحظ في الآونة الأخيرة أننا قد استعضنا عن ذلك كله بتعصب أفظع وهو التعصب الفكري، فأصبحنا ندافع عن فكرنا بشراسة مبالغ فيها حتى وإن كان فكرنا خاطئاً، وننبذ الآخر لمجرد اختلافه معنا في الرأي، ونصدر عليه أحكاماً ونقذفه بآلاف المسبات، وهنا وجب علينا أن نجيب على سؤال واحد فقط؛ لماذا لا نأخذ برأي الآخر ونعتبره معلومة جديدة وإضافة إلى مخزوننا الفكري؟!
عندما يتم اكتشاف شيء جديد في العالم، يظهر أحد الأشخاص ويقول إن هذا موجود في القرآن الكريم منذ 1400 سنة، نعم موجود في القرآن وهذا لا شك فيه، لكن لماذا لم تكتشفه قبل أن يكتشفه الغرب؟ ولماذا لم تستخدم عقلك وتحلل وتستنتج وتخرج للعالم بعلمٍ جديد؟ وتُظهر الدليل الذي اكتشفته من القرآن الذي بين أيدينا منذ 1400 سنة.
نحن الآن في عام 2016 ومازالت العقول العربية تتخوف من الإبداع وتقديم أفكار ملهمة للعالم، فالشعوب العربية تتنازل عن أحلامها بسهولة، وبمجرد المحاولة والفشل مرة، لا نقوم بتكرار المحاولة وإن حاولنا مرة أخرى وفشلنا أيضاً نقول إن هذا غير مكتوب لنا، وأن الله يرى الصالح لنا في شيء آخر، هذا صحيح..
ولكن لا مانع من المحاولة، فربما إعادة المحاولة مرة أخرى هي الخير الذي أراده الله لنا، فربما نكتشف إضافة لمحاولتنا السابقة ونخرج بفائدة أكبر، أما وأن نكرر المحاولة بنفس المعطيات فهذا من الغباء كما يصفه »آينشتاين« (الغباء هو فعل نفس الشيء مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات وانتظار نتائج مختلفة)، والصحيح أن نحاول تغيير المعطيات وحتى الأسلوب في كل مرة نحاول فيها تحقيق غاياتنا ومرادنا.
ولنقلب الأوراق ونفتش عن أسباب هذا الخطأ الجيني هل هو بسبب التركيبة الجينية للعرب؟ أم أنها خرافات تناقلتها الأجيال؟ أم أنها مفاهيم خاطئة لبعض مسائل ديننا أم هي ماذا؟ أم أننا نتعامل مع المواقف كما في الجاهلية وكما جاء في القرآن الكريم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا * أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ) سورة المائدة 104، والآن وجب علينا تفصيل الحالة وتعريف أسبابها لنجد لها حلولاً تتناسب مع طبيعة المشكلة المكنونة بالفكر، والتي تحتاج لسنوات طويلة لتغييرها وتبديلها إلى الأفضل.
علينا أن نتدارك الوضع سريعاً ونقوم بمراجعة تاريخنا الذي آل بنا إلى هنا، ووجب علينا إعادة صياغته بما يتناسب مع القرن الواحد والعشرين، فهذا زمان وذاك زمان آخر، ولكل زمان دولة ورجال، فلا بد لنا أن نتخلص من الغباء وألا نعيد الكرة آلاف المرات بنفس المعطيات وننتظر مخرجات مختلفة، بل علينا تبديل المعطيات للخروج بمنظومة فكر جديدة.
إذا أردنا أن نفصّل المسألة لنجد لها الحل، فالبداية أن نعالج أنفسنا ومن ثم نتخلص من الأفكار الخاطئة في حياتنا، وأيضاً علينا اكتشاف الحقيقة والبحث عن عيوب فكرنا لنتداركها، ونأخذ ما ينقصنا من الغير، فالعلم والفكر مسألة بناء لا تتم بفكر شخص معين أو بتحليل لمنظومة معينة، أو اعتماداً على تاريخ حقبة معينة، بل هو قائم على الاعتراف بجميع الأفكار وتحويرها بما يتناسب مع احتياجاتنا.
المصدر: صحيفة البيان