ياسر الغسلان
ياسر الغسلان
كاتب و مدون سعودي

“داعش” بلغة العلاقات “العربية”

آراء

‭‮كمتابع للشأن الإعلامي ومتخصص في مجال العلاقات العامة فإن من أهم ما يلفت نظري عند متابعة وسائل الإعلام هو الدور الذي تلعبه تلك الوسائل في تثبيت مفاهيم، ومحاربة أخرى، وهو الدور الذي مهما استقل الإعلام يبقى أسيرا لدور فكري يؤمن به ويعمل على دعمه بكل ما أوتي من قوة الحجة والإثبات الخبري والتحليلي.

لا يختلف اثنان على أن قناة العربية ومنذ أن انطلقت عملت على حمل لواء محاربة الفكر الإسلامي المتطرف، في حين أن بقية القنوات الإخبارية المنافسة تعمل بشيء من التقية بين الدعم المبطن لتلك الجماعات وما بين النقد المعلن المزركش بتبريرات محركها الأساسي مواقف سياسية لدول تدعم هذا التأرجح البراجماتي.

قناة العربية انطلقت في بداياتها لتحارب بشكل صريح الفكر القاعدي الذي كان عند ظهوره يكتسب الكثير من التعاطف الشعبي، حيث أفردت لذلك برامج واستقطبت محللين متخصصين في هذا الشأن، وذلك من أجل تعرية هذا الفكر المعادي للاعتدال الإسلامي، والساعي لقلب أنظمة حكم مستقرة في منطقة موبوءة بالاختلافات والأطماع الإقليمية والدولية، وهو ما فسره البعض دون وعي حقيقي بأنه عداء للإسلام ذاته.

اليوم وبعد أن اضمحلت “القاعدة” باعتبارها أملا رومانسيا لدى بعض ممن اختلطت في أذهانهم خلفيات الحقائق وأصبحت من الماضي بدأت قناة العربية في تصدر المشهد الإعلامي من جديد باعتبارها رأس الحربة الإعلامي في حرب تعرية ما يسمى بجماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقد كانت القناة أول من أطلق على هذه الجماعة مسمى “داعش”، استشرافا منها لضرورة إيجاد اسم مختصر لجماعة سيتردد اسمها على شاشاتها كثيرا في الفترة القادمة.

عندما ظهرت “داعش” للواجهة باعتبارها تنظيما عسكريا ذا منحى إرهابي كانت الكثير من وسائل الإعلام تتعامل مع أخبارها وكأنها جماعة خارجة ذات أهداف محدودة وهو ما اتضح للعيان عدم دقته، وإن كانت “العربية” وباقي القنوات التي تدعم توجهات الدول الإسلامية المعتدلة فإن الحقيقة هي أن الدور الذي قامت به هذه القنوات -وإن كان يفسره بعض الموالين لماكينة “التقية الإعلامية” بأنه دعم لتوجهات تغريبية- تمكنت إلى حد كبير من تثبيت النظر لهذه الجماعة باعتبارها الخطر القادم والتهديد الجديد للإسلام المعتدل.

إن كان هناك نجاح لحملة “علاقات عامة” سياسية ناجحة من أجل تجريم جماعة ما فإن النموذج الذي قامت به “العربية” في حربها على الجماعات الإرهابية لا شك أنه المثال، فقد تمكنت الحملة والقناة من تحويل خطر رومانسي جديد إلى خطر مكشوف الأهداف والوسائل، باعتباره تهديدا حقيقيا لكل إنسان يقف خلف الشاشة أو أمام مفاتيح جهازه المحمول.

المصدر: الوطن أون لاين

http://www.alwatan.com.sa/Articles/Detail.aspx?ArticleID=23344