كاتب سعودي
جدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال القمة العربية الأخيرة في شرم الشيخ دعوته لقيام العرب بزيارة القدس، مؤكدا أن ذلك لا يعني تطبيعا مع الاحتلال، ولاقت دعوته هذه، إضافة إلى الزيارات التي قام بها عدد من الشخصيات أبرزهم الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد مدني، الكثير من الهجوم والانتقاد، وهو ما يحتاج إلى التفنيد، إذ إن مهاجمة الفكرة من منطلق شعاراتي وعاطفي إنما يمثل مجرد امتداد للصراع الخطابي والظاهرة الصوتية التي انتهجها العرب ضد إسرائيل منذ تأسيسها، وامتدادا لسياسة أثبتت فشلها على مدى العقود الماضية، فالهدف الاستراتيجي من المقاطعة لم يعد واضحا ونتائجه اليوم ليست مجدية. استراتيجية التعامل مع القضية الفلسطينية يجب أن تتطور مع الوقت، فالمقاطعة لا يجب أن تكون هدفا في حد ذاتها وإنما آلية من آليات المقاومة.
تحدث الصحفي السعودي أحمد عدنان عن هذه المسألة في عدد من مقالاته، إذ أشار إلى أن “سياسة مقاطعة القدس والأراضي الفلسطينية بذريعة الاحتلال، المجربة خلال عقود مضت، لم تثمر إلا مزيدا من الإضعاف للقضية الفلسطينية، وفتحت الطريق سهلا أمام مشروع تهويد القدس وسلب قيمتها الإنسانية وهويتها الحضارية، وقطعت كل خيوط التواصل الإنساني والحضاري والمعنوي والثقافي مع الأراضي الفلسطينية وأهلها”.
إن إحدى النتائج السلبية الواضحة من المقاطعة هي حجم هوة الانفصال الإنساني التي باتت موجودة اليوم بين العرب وأشقائهم في فلسطين، وهي تتضح من أبسط مثال، إذ لم يعد أي خبر من فلسطين يثير أي مشاعر لدى المتلقي العربي، بل أصبحت أخبارا من قبيل منع الصلاة في الأقصى أو التظاهر ضد التهويد تمر مرور الكرام على المشاهد والقارئ دون أن تثير لديه ارتباطا، باستثناء رابط وهمي بحكم مركزية القضية.
الإنسان العربي أكثر ارتباطا بما يجري في لبنان أو سورية أو مصر بحكم أنه يعرف تلك الديار وزارها وتفاعل مع أهلها، ولذلك فهو يتلمس الأخبار الواردة من أي مكان باستثناء فلسطين لأن فلسطين لم تعد، للأسف، تعني شيئا ملموسا له، وهو ما تسببت فيه سياسة المقاطعة على مر العقود.
فتح باب زيارة القدس وفلسطين جزء من المقاومة وليس التطبيع. فمن شأن هذا الأمر أن يعيد التواصل الإنساني بين العرب والفلسطينيين، فيعود العرب للشعور بما تعنيه فلسطين، ليس بمجرد الخطاب الإعلامي والظاهرة الصوتية، وإنما بتلمس فلسطين والارتباط بها على أرض الواقع والاتصال بالفلسطينيين كبشر وليس كصور على الشاشات.
من جهة أخرى، سيربط هذا الأمر الفلسطينيين بأشقائهم ويشعرهم أن قضيتهم حاضرة في الوجدان العربي، وأنهم جزء من المكون العربي وعلى اتصال به. وبجانب الفائدة المعنوية لمثل هذا القرار، فإن فتح باب الزيارة سيكون له فوائد عدة ملموسة على أرض الواقع:
أولا: سيتيح هذا الأمر إيجاد قناة اقتصادية تساعد الأشقاء الفلسطينيين من خلال دخول السياحة، ويفتح لهم بابا يتجاوز احتكار إدخال الأموال لمساعدتهم من خلال تعامل اقتصادي مباشر، سواء من ناحية البيع والشراء أو التشغيل. ولا يعني هذا الأمر بالضرورة أن الفائدة ستكون محتكرة للاقتصاد الإسرائيلي، فمثل هذه الدخول ستؤثر في حياة الفلسطينيين أكثر من تأثيرها في حياة الإسرائيليين، وستساعدهم على الاستمرار في الحياة والمقاومة.
ثانيا: إن وجودا عربيا مستمرا في القدس سيحد من تأثير إسرائيل في عمليات التهويد ومنع الصلاة في المسجد، فالأمر في حينها لن يصبح مجرد منع للفلسطينيين، وإنما لكل العرب والمسلمين المتوافدين، مما يسهم في زيادة تدويل القضية وإبقاء العين عليها حاضرة، ويجعل الخطوات الإسرائيلية في هذا المجال محكومة بحسابات أكثر تعقيدا.
إن وجودا عربيا مستمرا في القدس سيعني عدم سهولة العبث بها، إذ إننا سنصبح جزءا من الأرض ولسنا مجرد متفرجين من الخارج.
ثالثا: من شأن فتح الباب أن يخلق ورقة جديدة للعرب تتمثل في المنفعة الاقتصادية لإسرائيل من هذا الأمر، فتأثير المال العربي حاضر وأثبت وجوده بشكل كبير في دول عدة، ومن ثم فإن خلق منتفعين إسرائيليين من هذا الأمر سيعني إيجاد قناة تأثير غير مباشرة، فالمنفعة الاقتصادية مهما كان يظل لها دور مؤثر.
رابعا: توجيه الاستثمار للداخل الفلسطيني من خلال هذا الأمر سيسهم في جعل فلسطين أكثر استقرارا وهو ما سيسهم في دعم وجودهم وبالتالي مقاومتهم، فمدن كثيرة في الداخلي الفلسطيني تعاني بشكل كبير، والاعتماد على استراتيجية المعونات لا ينتج عنه سوى البقاء، بينما المطلوب ليس فقط البقاء وإنما النماء والتطوير.
إن وجود العرب في القدس وفلسطين بشكل مستمر رسالة قوية على عدم التخلي عنها، وعنوان لمقاومة سلمية لن تجد إسرائيل معها مساحة للمناورة، فأقوى سلاح للعرب والمسلمين للمقاومة اليوم هو سلاح العدد العربي مقابل العدد الإسرائيلي, إنها مقاومة لا تحتاج سوى أن نقول إننا هنا، لا بالصوت وإنما بالوجود الفعال والسلمي على الأرض، بوجود العرب والمسلمين أسبوعيا للصلاة في المسجد الأقصى، وبوجودهم بشكل مستمر في كل بقعة محتلة ليقولوا للعالم: إن هذه أرضنا، فصاحب الأرض لا يتخلى عنها ولا يقاطعها.
المصدر: الوطن أون لاين