أخبرني صديق يعيش في النرويج، أن الحكومة هناك تخاف على صحة مواطنيها، كما تخاف الأم على صحة وليدها، فغير أنهم لا يتوانون عن تقديم الرعاية الصحية الفائقة مجاناً للمواطنين، فإنهم يحاولون جاهدين أن يستمتع سكان النرويج بالحياة أطول زمن ممكن، من خلال الكشف المبكّر عن الأمراض ومعالجتها ومتابعتها، حتى لو قصّر المريض مع نفسه، فإن الحكومة تذكّره بضرورة متابعة حالته الصحية بأكثر من وسيلة تواصل.
ويقول صديقي، على الرغم من هذا الاهتمام الحكومي الشامل، إلا أن وزارة الصحة تولي «الأسنان» رعاية خاصة لمواطنيها، لاسيما الأطفال منهم، فمن فترة إلى أخرى تصل على صناديق البريد نشرات تذكر بمواعيد زيارة عيادات الأسنان، وضرورة اصطحاب الأطفال للكشف المبكر عن التسوّس، وفي حال كان هناك موعد مسبق مع طبيب يأتيك التذكير عبر صندوق البريد المثبت أمام البيت ليذكّرك بموعد مراجعة طفلك في الوقت المحدد والساعة المحددة، مع أمنيات بالشفاء والسلامة، جدير بالذكر أن حملات التوعية والتذكير تتكثّف أكثر للعائلات التي لديها أفراد أعمارهم بين عامين و18 عاماً.
في بلادنا العربية، تحاول الحكومات والأسر ــ على حد سواء ــ أن تكسب المرء المناعة وصلابة الجسم أثناء صراعه مع البقاء، فهي عمداً لا تفرّط في دلاله كما يفعل النرويجيون، بل تتجاهل رعايته حتى يعتاد الجسم المناعة ومجابهة المرض والوهن بما لديه من مضادات مجانية وطبيعية داخل الجسم.
في البيت على سبيل المثال، الرعاية الصحية والمتابعة والفحص المبكّر غالباً ما تأتي أثناء «تكويع» أحد الوالدين في غرفة الجلوس.. أذكر في الصف السابع أن فمي أصبح أكثر شبهاً بمغارة «جعيتا» اللبنانية، النوازل من سقف الحلق متفرقة، والفراغات بين الأسنان تسمح لأن يستدير قارب صيد بينهما، ومع ذلك كان الجواب: «بس تكبر بتصطف أسنانك لحالها». في الصف التاسع فقدت ضرسين مهمين في الفك السفلي.. فتلقيت تطميناً من الأهل يقول: «رح يطلع لك بدالهم.. رح تظل تبدّل تا يصير عمرك 18». ومنذ ذلك التاريخ وأنا أنتظر بروز الضرسين المنتظرين.. في المرحلة الثانوية فقدت ضرسين علويين في نهاية الفك أيضاً، فأوهمني البعض أن ما فقدته كان «طاحونة العقل».. قلت والثانية؟ قالوا: «طاحونة قلة العقل».. فسكتُّ.
الآن وبفضل الرعاية الصحية «اللي ع البركة»، عندما أضحك لا يبان في المشهد سوى القواطع الأمامية، أبدو تماماً مثل حصان «دون كيشوت» طيب الصّيت!
المصدر: الإمارات اليوم