كاتب وصحفي سعودي
قبل فترة رددت ابنتي الصغيرة على مسامعي جملة: “دلعوني.. أدلعكم”. سألتها من أين سمعت هذه العبارة. فأجابت أنها تعلمتها من معلمتها. إذ تندلع هذه الجملة من لسان معلمتها عندما تتلقى طلبا من طالباتها الصغيرات؛ لإعادة ترديد أنشودة أو تشغيل فيلم رسوم متحركة لهن. وواصلت التحقيق مع ابنتي عبر سؤال آخر عن ماهية “التدليع” الذي تبتغيه معلمتها حينما تكرر عبارتها سالفة الذكر. فردت علي طفلتي شارحة بأن (أبلتها) تعني “بتدليعها” الاستماع إلى توجيهاتها عبر حل الواجبات والتفاعل معها في الفصل والابتسامة في وجهها. فكلما أكرمها طالباتها بجديتهن وبشاشتهن، كلما دلعتهن بتلبية رغباتهن البريئة.
إن العبارة القصيرة الصغيرة التي تلوح بها هذه المعلمة لا تنسحب على طالباتها فحسب، بل على كل العالم. فإذا أردنا من رؤسائنا ومرؤوسينا في العمل أن يدلعونا علينا أن ندلعهم. إذا رفعنا سقف مطالبنا تجاه أحبتنا يجب علينا أن نقوم بمبادرات أكثر جاذبية وسخاء نحوهم. قبل أن نطلب من الآخرين مزيدا من الاهتمام والتقدير والوقت ينبغي أن نقدم ما يحثهم على القيام بهذه المهام الجسام تجاهنا.
والأهم من كل هؤلاء أنفسنا. فإذا طالبنا ذواتنا بأن تلبي رغباتنا الغفيرة وطموحاتنا الغزيرة علينا أن نكافئ أنفسنا وندلعها ونروح عنها ونقدرها. فالتقدير والامتنان والحب ليس مقصورا على الآخر، فذاتك يجب أن تكون في المرتبة الأولى. فعندما تحبها ستحبك. وحينما تدلعها ستدلعك. إذا عملت لها ستعمل من أجلك.
يقول الكاتب إيريك هوفر، إنه لم يصادف شخصا ناجحا لا يحب ذاته.. فمن يحب نفسه (ذاته) سيسعى إلى إسعادها وتطويرها.
جعلتني هذه العبارة الصغيرة التي سمعتها من طفلتي أعيد التفكير في سلوكيات كثيرة أقترفها بحقي وحق الآخرين. دفعتني هذه الجملة أن أتوقف عن محاسبة الناس وتقريعهم في داخلي بتبذير. أصبحت أتوقف كثيرا قبل أن ألوم وأعاتب أي شخص، وأسأل نفسي، ماذا فعلت له لكي أنتظر منه كل هذا الكم من التوقعات.
دلعوا أحبتكم ليدلعوكم.
المصدر: الإقتصادية
http://www.aleqt.com/2015/04/16/article_949840.html