«ماتريوشكا»، هو الاسم المحلي للدمية الروسية المعروفة بشكلها اللافت وألوانها المختلفة. هي حارسة التراث الروسي بالنسبة لمواطنيها، كما يُقال.
تأخذ هذه الدمية شكلاً بيضاوياً أنيقاً مع قعر مسطح وقسم علوي وآخر سفلي، حالما ينفصلان تجد بجوفها دمية شبيهة بالأصل، لكنها أصغر حجماً. ولا يسعك التوقف، إذ عليك أن تكمل ما بدأته؛ لأن بداخلها دمى أصغر فأصغر، وكلما فتحت دمية أطلت من الداخل أختها. ويُعتقد أن أضخم دمية بلغ ما بجوفها سقف الثمانين، وأصغرها تبدأ من ثلاث دمى.
«ماتريوشكا» تقدم المرأة بلباسها التقليدي على رسومات جميع الدمى، حيث تظهر المرأة على كل رسمة بزي تراثي مختلف، فتجمع ثقافات نسوية مختلفة، تعود لإثنيات عرقية متعددة، تمتد من حدود الصين مروراً بوسط آسيا، وصولاً إلى وسط وشرق أوروبا، وهي الحدود السوفييتية سابقاً. ما يعني أن «ماتريوشكا»، أو هذه الأيقونة الثقافية التي باتت رمزاً للثقافة السوفييتية الماضية والروسية الحاضرة، تقدم المرأة بكل هُوياتها الثقافية في هذا الكيان العملاق. وهي تقول بمعنى آخر، إن المرأة هي الملهمة الأولى في فلسفة الاتحاد السوفييتي السابق، وهو تمجيد لعظمة المرأة، ولكنه ينطوي على تمجيد ضمني للاتحاد السوفييتي عينه، كون تعظيم المرأة هي فكرة إنسانية راقية، وكانت في زمن ولادة «ماتريوشكا» سابقة لعصرها.
طبعاً هناك نظرية تقول إن فكرة الدمية مستوردة من اليابان، حيث إن صناعة الدمى في تلك البلاد تعتبر من الفنون العريقة، وتعود لأكثر من ألفي عام. ولكن هل هذا يهم؟
فمن يزعم أنه يملك الأفكار بخياله؟
قد تتطاير الأفكار من حولنا وفوقنا وتحتنا في فضاء مفتوح، فالعبرة ليست بتخليق الأفكار وحبسها في المخيلة، وإنما باقتناص اللحظة المناسبة لتطويعها، فهذا الأمر يقربك من حقيقتها، أما جعلها قابلة للتنفيذ، فهو الذي يبث الحياة فيها، بحيث تصبح واقعة ملموسة، في حين أن جودة إخراجها هي التي تجعلك تكتبها باسمك في وعي الآخر، قبل تدوينها في سجلات حقوق الملكية الفكرية.
أما المتباكون على أفكار تعشش في عقولهم، ويملكونها في خيالاتهم فقط، فنقول لهم: القليل من الواقعية يا سادة، رفقاً بعقولكم وعقولنا. اتركوا أرض الأحلام وابدأوا العمل.
قد تكون الدمية رمزاً، وما بجوفها يحمل رموزاً عدة، واللبيب من الإشارة يفهم.
يُقال إن جمال الحياة في تعدد الخيارات! وأقول إن جمال الحياة في المجهول، إذ لا نعرف ماذا يخبّئ لنا، أو ماذا ينتظرنا بالغد.
هذه الأيقونة أخذت مكانها في الذاكرة والثقافة الشعبية منذ نحو مائة سنة. ويعود الفضل بإخراجها لفنان صنعها بيديه، وآمن بفكرته، وبعد ذلك أخذت مكانها في الثقافة، بل احتلت الصدارة بالترويج لبلادها في كل المحافل. وإذا شئت التدقيق تمعن برسومات الدمى، فهي تقدم وجوهاً مختلفة للمجتمع، بدءاً من المرأة في الماضي والحاضر، وصولاً إلى الوطن والأرض والجغرافية والسياسة.
نعم، الفنانون كما العلماء، هم عباقرة اللحظة وسادة الزمن، حيث يستطيع الفنان أن يغير المجتمع، ويبني صروحاً جديدة لنفسه وغيره بفكرة واحدة فقط.
ليس هناك أقوى من الأفكار الخلاقة، فهي بذرة الخلود لأصحابها، إذا ما جاء من يسقيها ويرعاها، حتى تزهر وتثمر.
يقول صاحبي: ما معنى هذه العبارة، «لا أريد أن أكون دمية روسية».
قلت له: سؤالك يخرجنا من الثقافة ويدخلنا في عالم الصراعات! هناك من ارتضى أن يكون دمية يلعب بها الآخرون على حساب شعبه وأرضه وتاريخ منطقته. ولكن الدمى ليس لها مكان في المستقبل يا صاحبي