جمال خاشقجي
جمال خاشقجي
كاتب سعودي ويشغل حالياً منصب مدير قناة "العرب" الإخبارية

ذكريات لا تهم أحداً

آراء

انظر حولك، هل أنت بحاجة إلى كل الأغراض التي تحيط بك؟ كل الكتب في مكتبتك؟ ماذا عن المجلات القديمة، الأسلاك، الجوالات التي ما عدت تستخدمها، الشواحن التي لا تعرف لأي جوال؟ افتح الأدراج من حولك، فواتير قديمة، أقلام، صور، أدوية، كروت لمعارف لم تعد تذكرهم، تذكرة سفر لمكان لا تتذكر متى سافرت إليه ومع من، بل ثمة أجزاء من أجهزة تاهت، ربما لا تعرف ما هي.

لنذهب إلى دولاب الملابس، لا توقف هنا، خاصة دولاب ملابس ابنتك أو زوجتك، هنا كله مهم، الأحذية، مستحيل، الحقائب، كله إلا الحقائب. هل تعرف متى ستتخلص من كل هذه الأشياء من حولك، الحقيقة لست من سيتخلص منها وإنما ورثتك، آسف «قلبتها نكد»، بعد الشر، الله يكتب لي ولك طول العمر.

ولكن بالفعل هذا ما يحصل، أتذكر جاري في العمارة، كابتن طيار متقاعد، كان يعيش وحده، لست حشرياً بما يكفي لأن أساله أين زوجتك؟ الأسوأ لو سألته ماذا فعلت بزوجتك حتى تركتك حراً هكذا، كان أبناؤه وبناته يزورونه بين فترة وأخرى.

يوماً ما عدت من سفر فوجدت كمية هائلة من مجلات وكتب بالإنجليزية، معظمها لها علاقة بالطيران، كان ثمة بضعة أعداد من «الناشيونال جيوجرافيك»، أعشق هذه المجلة، قلبت فيها قليلاً ثم شعرت بالحرج لفضولي وانصرفت لشقتي.

عرفت لاحقاً أن جارنا الطيار قد توفي، رحمه الله، قمت بواجب العزاء وظلت صورة كوم المجلات والكتب الملقاة في عربة تنتظر زبّالاً يجمعها مسيطرة عليَّ وأنا في سرادق العزاء، أنظر نحو أبنائه وإخوته، من فيهم الذي ألقى بهذه المجلات والكتب والتي لابد أن المرحوم كان يعزها؟ فبعضها يعود لسنين خلت، كانت تذكره بسنوات عمله الممتعة، طالما جلس على كرسيه المريح يقلب في صفحاتها، لعله كان «يشخط» في أحفاده لو مزق أحدهم صفحة منها، ها هو تركها ملقاة على قارعة الطريق، ليست لها قيمة، إنها مجرد ذكريات لصاحبها وليس لأبنائه.

هكذا تماماً كل ما يحيط بك، هكذا حياتنا، مشاعرنا، مجرد ذكريات لا يعنى بها أحد غيرنا، إلا طبيب نفسى يتقاضى 300 ريال في أقل من ساعة مقابل أن أشركه في ذكرياتي.

المصدر: مجلة روتانا