رأيت فيما يرى النائم! – عبدالله النعيمي

أخبار


في مكانٍ ما, يتوسط المسافة ما بين الواقع والحلم. ثمة لحنٍ جميل يلوح من بعيد , لحن يتميز بثراء غريب, تمتزج فيه إيقاعات العيالة والحربية واليولة والرواح, وغيرها من الفنون الإماراتية الأصيلة.

مشيت باتجاه الصوت, فاقتربت شيئاً فشيئاً من مكانٍ أنيق, يعبق برائحة القهوة والكتب, اصطبغت جدرانه بألوان جميله, يغلب عليها اللون الأزرق. تعمقت أكثر باتجاه الصوت فلمحت أوركسترا شابة, تتكون من باقة رائعة من المواهب الواعدة, يتنوعون ما بين الإناث والذكور. بعضهم يحمل الكمان, وبعضهم الفيولا, وبعضهم الشيللو, وبعضهم الفلوت, وبعضهم الترومبيت. يقودهم مايسترو شاب, طويل القامة, مشرق الوجه, دائم الابتسامة.

أخذت مكاني بين الحضور, وبدأت أفكر في هذه السيمفونية, فهي مختلفة عن بحيرة البجع, ولا تشبه كسارة البندق, ولا علاقة لها بشهرزاد. سألت من كان يجلس على يميني عن اسمها, فرفع كتفيه وعقد حاجبيه وكأنه يقول لي: لا أعرف! يبدو أنه لا يريد أن يتكلم, حتى لا يخرج من حالة الانسجام التي يعيش فيها. سألت من كان يجلس على يساري عن اسمها, فاكتفي بالإشارة إلى المايسترو, ثم أدار يده في الهواء وكأنه يقول لي: أجل سؤالك إلى ما بعد انتهاء العزف!

بعد دقائق لمحت إشارة من المايسترو, وكأنه يقول لي: انضم إلينا, واختر أي آلة تشاء, وخذ مكانك في الأوركسترا. احترت أي آلة أختار, وبعد تردد قصير, جلست خلف البيانو الشاغر, وبدأت بالعزف معهم. كان كل فرد منهم يؤدي دوراً هاماً, لا غنى للآخرين عنه. تتداخل الأصوات, وتتمازج الإيقاعات مع الأنغام, لتنتج في النهاية لحناً تتمايل له الرؤوس طرباً.

بعد أربعين دقيقة من العزف المتواصل, توقف الجميع في لحظة واحدة بإشارة من المايسترو. فقام الحضور, وضج المكان بالتصفيق. تقدم لي بعدها المايسترو, ومد يده مصافحاً وعرفني بنفسه. ثم تقدم لي الكونسرت ماستر, ومد يده مصافحاً وعرفني بنفسه. فصافحتهم بحرارة, وعرفتهم بنفسي.

دعوتهم بعدها إلى فنجان اسبريسو, وتبادلت معهم أطراف الحديث. فتذكرت سؤالي السابق, فالتفت إلى الكونسرت ماستر, وسألته: ماذا تفعلون هنا؟ فابتسم وهو يحرك ملعقة السكر في كوبه: نسقي هذه البراعم, لتنمو وتزهر.

فالتفت بعدا إلى المايسترو, وسألته: ما اسم هذه السيمفونية؟ فابتسم, واسند ظهره على مقعد الكرسي, وأجاب : إنها سيمفونية الحياة يا صديقي, تقول لنا أن التكامل هو أساس النجاح, وأن السماء تتسع لجميع الطيور.

فجأة سقطت الملعقة من يدي, فاستيقظت على رنينها الحاد, وأنا أمسك قائمة مشروبات ساخنة, مكتوب عليها ( كُتاب كافيه )!

خاص لـــ الهتلان بوست