كاتب متخصص في الإدارة
قدم لنا عالم نفس شهير خلاصة دراسته، حينما توصل إلى أن ما نؤمن به تجاه الأفراد يحدد طبيعة قراراتنا تجاههم. وهي النظرية التي سميت (X) و(Y)، وقد انتشرت في أدبيات الإدارة، ومفادها أننا ننظر إلى الناس من منظورين، بحسب د. دوغلاس ماقريغر خريج جامعة هارفارد والمحاضر في معهد (MIT).
المنظور الأول أن الإنسان بطبيعته لا يحب العمل، لذا فسيحاول بذل ما في وسعه لتجنبه. وعليه، فإن أصحاب هذه النزعة يتطلب أن نواجههم بأسلوب إداري حازم حتى ينفذوا أهداف المنظمة في بيئة رقابية جادة. ومن هذا المنطق، فإن هذه الفئة تفضل أن يجري توجيهها نحو عمل محدد حتى تتجنب تحمل وزر المسؤولية.
أما النوع الثاني من البشر، فتصنفه النظرية على أنهم فئة من الناس سوف تبذل ما في وسعها للسيطرة على أدائها وضبطه بقدر الإمكان لتحقيق أهداف المنظمة، من دون الحاجة لرقابة خارجية أو تهديد ووعيد بعقوبات. وهؤلاء يرون أن جهدهم المبذول في العمل هو في حد ذاته له مردود جيد حينما يكون مرهونا بإنجاز يشار إليه بالبنان، وأن الإنسان بطبعه يقبل تحمل المسؤوليات، بل بالأحرى يسعى إليها بنفسه أحيانا، وأن مساهمات الأفراد الخلاقة لا حدود لها إذا ما توافرت لهم البيئة المناسبة. ولحسن الحظ، فإن واقع الحال يؤكد أن الإنسان فيه خصال هاتين الفئتين بدرجة أو بأخرى. وهذا ما يتفق عليه كثير من المنظرين في علم الإدارة، وهي مسألة مهمة جدا لكل شخص يتعامل مع الناس. فإذا ما افترض المسؤول أو قائد الفريق أن فلانا أو فلانة كسول ويركن إلى الدعة لموقف واحد تعرض له، فقد يعامله بصرامة مستمرة، لأنه افترض أنه من الفئة الأولى المتراخية. وكم من موظف ارتكب خطأ بسيطا فدفع ثمنه طوال مسيرته الوظيفية في المؤسسة.
ولو ذكر هذا المسؤول المتسرع نفسه بأن الإنسان بشر، يعترضه ما يعترض سائر الناس، وأن هذا الكسول قد يكون يوما ما في أوج طاقته – فإنه حينها سيقدر جهده وسيعامله بتفهم ومداراة.
وهذا لا يعني أن نترك المتقاعسين من دون رقابة، ولا نفترض أن المجتهد سيبقى كذلك طوال عمره، وذلك لسبب بسيط وهو أننا لا نتعامل مع آلات، بل بشر يتأثرون بالبيئة المحيطة بهم، سواء داخل المنظمة أو خارجها.
وهذا يجرنا إلى قضية مهمة، وهي ضرورة مراعاة الرصيد السابق للموظف وجده واجتهاده قبل أن نتسرع بإنزال العقوبة عليه لأنه «جل من لا يسهو» وقل من لا يخطأ أو تفتر عزيمته.
وخلاصة القول، إنه من الحصافة ألا يتسرع أحدنا بتصنيف العاملين معه إلى خانات أبدية كأنه يحبسهم في زنزانة انفرادية في مخيلته حتى لا يكون ما نؤمن به عائقا أمام إطلاق إبداعات الناس من حولنا.
المصدر: الشرق الأوسط