في منطقة تعج بالوجود الكثيف للسوريين لدرجة أن المارَّ فيها ربما يشعر بأنه يتجول في الشام، حيث اللهجة والوجوه الشامية المميزة والمألوفة، وكذا محال الأقمشة والحلوى والمطاعم السورية، كان لقاء «البيان» في قلب مدينة السادس من أكتوبر (التي تقع على بعد 38 كيلومتراً من العاصمة المصرية القاهرة) مع رئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين تيسير النجار الذي تحدث في حوار غلب الطابع الإنساني على محاوره الرئيسة، عن معاناة السوريين وأحلامهم وطموحاتهم في زمن الحرب، وكذا الجهود الإنسانية والإغاثية المبذولة من أجل التخفيف عنهم ومد يد العون إليهم للمساهمة في التغلب على ما يواجهونه من مشكلات وعقبات.
جاء النجار -حسبما قال خلال اللقاء- إلى مصر في الشهر الرابع من العام 2012، وكان يعيش قبل ذلك الحين ما بين بلده الأم سوريا وكذا المملكة العربية السعودية؛ لارتباطه بمشاريعه وتجارته الخاصة، وكان افتتح مؤسسة خاصة في سوريا أيضا، فصار يباشر عمله ما بين البلدين.
حتى أطلق رسميا الهيئة العامة للاجئين السوريين من القاهرة في 13 يوليو 2013، التي افتتحت أكثر من فرع لها داخل مصر وفي بلدان عربية وأوروبية لخدمة اللاجئين السوريين حول العالم.
«مصر ما جيت عليها ولا فكرت أجي عليها قبل العام 2012، لكن جئت إليها مضطرا بعد ظروف الحرب، والحمدلله إني جئت على مصر» لأن أهل مصر أهل ود وكرم ومسالمون وطيبون.
ويبدو النجار متفائلًا بالمسار السياسي للأزمة السورية في ضوء إشارات اعتبرها إيجابية من قبل بعض الدول وعدد من التحركات والتطورات الأخيرة من بينها اتفاقية وقف إطلاق النار والذهاب لمؤتمر الأستانة والدعوة لمباحثات جنيف، بما قد يمهد لحل الأزمة.
وبالتالي يُمني نفسه بأن يعود إلى سوريا عقب استقرار الأوضاع، غير أنه قال إنه لن ينسى مصر وأهلها باعتبارها بلده الثاني العزيز على قلبه، لا سيما في ظل ما وجده فيها من حب وعطف وحنان من قبل المصريين.
بينما يعتقد بأن نسبة كبيرة من السوريين اللاجئين والمهاجرين سوف يفضلون البقاء في بلدان المهجر حتى استقرار الأوضاع في بلدهم، نظرا لاستقرارهم هناك من ناحية العمل والدراسة. ويشير إلى أن عدد السوريين خارج سوريا الآن يصل إلى قرابة الـ13 مليون سوري، من بينهم 4 أو 5 ملايين قد لا يعودون مُجددا إلى بلادهم حال استقرار الأوضاع فيها.
وبسؤاله عن نشاط الهيئة في مصر وطبيعة تواجدها ونشاطها حول العالم أيضا، يجيب النجار مسهبا: إن الهيئة تهتم بشؤون اللاجئين عموما، منها على سبيل المثال لا الحصر توظيفهم وتوفير مساكن لهم وكذا توفير الرعاية الصحية، فهناك لاجئون جاءوا بأمراض مزمنة يحتاجون علاجا دائما وآخرون يتعرضون لأمراض وبحاجة لعمليات جراحية نقوم بمساعدتهم..
وأيضا نوفر الحماية القانونية؛ فلدينا مكتب قانوني خاص لتقديم الاستشارات القانونية للسوريين ومساعدتهم إذا ما وقعوا في أية أزمة.. وغيرها من الأنشطة الأخرى من بينها الحرص على استمرار تعليم الأطفال السوريين في بلدان اللجوء.
أسى وحسرة
وبأسف، يعتقد رئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين بأن مفوضية الأمم المتحدة لا تقوم بكامل دورها إزاء اللاجئين السوريين، ولعل هذا الهدف هو الذي عزز من فرص تأسيس الهيئة وتوسعها من أجل تغطية ذلك العجز واستكمال دور المفوضية بصورة تطوعية.
ويردف قائلًا: «نقوم بتوفير احتياجات الكثير من اللاجئين في مصر في ما يتعلق بالتعليم والحاجات المادية، ونسخر إمكاناتنا واتصالاتنا لدعمهم».
يُسهب النجار في شرح تفصيلي للخدمات التي يتم تقديمها للسوريين، وعلى مكتبه تتراكم الملفات الخاصة بالحالات التي يتعاملون معها في مصر سواء فيما يتعلق بالتعليم أو الخدمات الصحية والمساعدات وخلافه.
ويوضح أن جهدهم ذاتي ومن خلال متطوعين، ولم تحصل الهيئة على دعم من منظمات أو حكومات، وأكثر الناس عطاءً لهم هم من السوريين من الميسورين، وكذلك بعض الشركات والمصريين أيضا، وتلعب الهيئة في كثير من الأحيان دور حلقة الوصل فقط بين المتبرعين والمحتاجين دون أي تدخل.
ويستطرد النجار حديثه بالإشارة لفروع الهيئة في محافظات مصرية عديدة، وأيضا التواجد في دول عربية وأجنبية وخطط التوسع في مناطق أخرى حول العالم بصورة رسمية لتقديم الخدمات للاجئين السوريين عبر البرامج الخاصة التي يقدمونها.
ويتجاوز عدد السوريين في مصر -وفق النجار- المليون شخص، بينما المسجلون في مفوضية الأمم المتحدة حوالي 200 ألف سوري، نظرا لخشية الكثيرين التسجيل في المفوضية كلاجئين لاعتبارات ومخاوف قانونية تتعلق بوضعهم. وينتشر السوريون في كثير من المناطق والمحافظات المصرية لا سيما المدن الجديدة.
ويتباينون ما بين الميسورين الذين جاءوا إلى مصر بأموالهم، وبين المعدمين الذين جاءوا بملابسهم فقط، ومع ذلك قاموا بالعمل في أي شيء لأن السوري بطبعه لا يمد يده لأحد فخلقوا فرص عمل لأنفسهم يضرب بها المثل دون حتى أن يحصلوا على تيسيرات أو تسهيلات تميزهم، فنجحوا في إثبات أنفسهم، كما حدث الاندماج الطبيعي بينهم وبين المصريين في العمل ومن خلال الزواج والتجارة وخلافه وانطلاقا من الروابط الثقافية والتاريخية المشتركة.
أسر دون معيل
ويوضح رئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين أن 80 في المئة من السوريين في مصر نساء وأطفال وأسر دون معيل. مردفا:«نسعى لخدمة هؤلاء، ونحن بصدد إنشاء مركز للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة ومستوصف جديد».
وبينما سألنا عن أبرز الحالات الإنسانية التي تتعامل الهيئة معها، استشهد النجار بحالة أحد الأشخاص ويدعى أبو خالد يعمل سائقا ويطلب تركيب ركبة لوالده المُسن ولجأ للهيئة بعد محاولات استمرت لمدة سبعة أشهر مع مفوضية الأمم المتحدة. فتم ابلاغه إن الأمر سوف يتم تدبيره له من خلال متبرعين، يتكفلون بكلفة المفصل كاملة وهي 36 ألف جنيه مصري.
ويوضح النجار إن أبرز الحالات في صفوف اللاجئين هي حالات كبار السن والشيخوخة والأمراض المزمنة التي تحتاج أدوية بمبالغ كبيرة، والتي نجد في بعض الأحيان صعوبات في تدبيرها.
كما تحدث النجار عن وضع التعليم، مؤكدا على أن غالبية الأطفال السوريين المتواجدين في مصر يواصلون تعليمهم بصورة طبيعية، باستثناء البعض ممن في 16 أو17 من عمرهم من الذين تركوا التعليم ليعيلوا أسرهم.
ويعاني اللاجئون السوريون أوضاعا صعبة في بلدان اللجوء بصفة عامة. غير أن رئيس الهيئة العامة للاجئين يرى أن أفضل أوضاعهم هي في مصر، لا سيما في ضوء الروابط الثقافية والاجتماعية والتاريخية المشتركة وكذا كرم أهل مصر. ويعتقد بأن أوضاع اللاجئين تحتاج تكاتفا كبيرا من أجل دعمهم ومساندتهم وتوفير احتياجاتهم.
تفاؤل بحل سياسي يعيد للسوريين أمل استرداد وطنهم
رغم الأسى على حال سوريا بعد سنوات من الحرب، وتأكيداته الدور الذي قامت به بعض القوى ضد الشعب السوري ومطالبه، أبدى رئيس الهيئة العامة للاجئين السوريين تيسير النجار تفاؤلاً بالعديد من المؤشرات التي توحي بأن المسار السياسي صار مفتوحاً نسبياً، في ضوء ما اعتبره «رغبة روسية في الخروج من المستنقع السوري».
ويرى النجار أن «روسيا أحسّت بنفسها وغرقت في الوحل
المصدر: البيان