المدير العام لقناتي «العربية» و«الحدث»
يحكي الرئيس بوش الابن أنه بعدما قرر الترشح لانتخابات منصب حاكم ولاية تكساس، قام بالاتصال بأمه ليخبرها بالنبأ السعيد إلا أنها ردت عليه بالقول: «لا تحاول، لا يمكنك الفوز!». الأم غير المشجعة أبدت ذات الاعتراض على الأخبار عن ترشح ابنها جيب بوش للانتخابات الرئاسية المقبلة. قالت الأم مرة أخرى إن هناك عائلات أخرى غير عائلة بوش قادرة على إنتاج القيادات السياسية. لا أحد بين الجمهوريين يهتم لآرائها «السلبية» ويصفها بعضهم بأنها لا تمسك لسانها وتخرج عن النص دائما، في محاولة للتقليل من تأثيرها على الناخبين. لكن الحقيقة أن اسم جيب (61 عاما) يبدو الآن أكثر رواجا من بين المرشحين الجمهوريين الذي يسعون لاستعادة البيت الأبيض وإنهاء أيام الرئيس أوباما الكئيبة بالنسبة لهم.
جيب يبدو أكثر من غيره الشخص الأقوى لمقارعة الديمقراطيين والفوز عليهم. كبار الجمهوريين الخبراء بطبيعة السباقات الانتخابية يلتفون حوله لإدراكهم بقدرته على المنافسة والانتصار. أما لماذا هذه الرغبة الجمهورية المتزايدة لدفعه للصفوف الأمامية؟ فلأكثر من سبب. جيب أكثر من غيره قادر على جمع الأموال والمساعدات التي تلعب دورا كبيرا لإنجاح حملته الانتخابية ومنحها الزخم والحيوية لأطول وقت ممكن. مؤخرا اجتمع المتبرعون وأهم جامعي الأموال وأعلنوا دعمهم له وهذا دليل كبير على ثقتهم به. بحسب الـ«واشنطن بوست»، قائمة المائة الأهم، الذين دعموا رومني أعلنوا الاصطفاف خلفه. من المؤكد أن هذا أيضا يعود لقوة ومكانة عائلة بوش ونفوذها داخل الحزب الجمهوري وعلاقاتها المؤثرة والواسعة. لهذا السبب يعد اسم جيب الأخير عنصرا داعما على عكس رأي الأم.
ولكن جيب يحظى باحترام أطياف واسعة داخل الجمهوريين وحتى بين الديمقراطيين. فهو يعبر عن الخط المعتدل داخل الحزب الجمهوري بعيدا عن الشخصيات الغوغائية المتعنتة المهووسة بالإعلام والـ«سوشل ميديا». يصفه كيسنجر، وزير الخارجية الشهير، بالخبير والمعتدل. أضف إلى ذلك أن الرجل جرب العمل كحاكم ولاية كبيرة ومهمة كلفوريدا، وهذه ميزة كبيرة بدأ الجميع بالانتباه لها بعد عهد الرئيس أوباما. إحدى أكبر المشكلات التي بدا واضحا أن الرئيس الأميركي يعاني منها أنه بلا أي خبرة ولم تتلطخ يداه بوحل السياسة وكل ما تتضمنه من صراعات ومساومات. استخدم ببراعة مهاراته في الخطابة ووظف ظروفه العائلية للصعود، ولكن هذه مهارات نجم تلفزيوني أو واعظ ديني وليس رئيس أقوى دولة في العالم. أحد أبرز الانتقادات لتيد كروز أحد نجوم الجمهوريين هي أنه يريد أن يعيد سيناريو أوباما مرة أخرى. أي يذهب للكونغرس ويفتح فمه ويكسب شعبية جماهيرية تنقله بسرعة للبيت الأبيض دون أي خبرة وتجربة حقيقية تصقله وتعلمه.
جيب يمتلك هذه الخبرة المهمة ولديه معرفة وإدراك للشؤون الخارجية وهذه إحدى أهم المزايا التي سيبحث عنها الناخبون في الانتخابات القادمة. الجميع يدرك الآن أن قوة أميركا تراجعت كثيرا خارج حدودها. الصدمة الجماهيرية الأميركية بضعف بلدهم خارجيا لم تحدث بعد خطوط الرئيس الحمراء التي تجاوزها نظام الأسد مرات عدة، ولكن بعد الاحتلال الروسي للقرم. حتى الذين دافعوا لأعوام عن نهج الإدارة الأميركية في الشأن الخارجي أقروا بهذا الضعف، وهم يرون الدبابات الروسية تعبر الحدود الأوكرانية. بوتين، بالنسبة للجميع تقريبا، أقوى وأشرس من أوباما، ليس فقط بأقواله وحركات جسده، ولكن حتى بأفعاله. الرئيس المتردد الاعتذاري أمر غير محتمل للنفسية الأميركية التي تريد أن يظهر رئيسها بصورة القوي والواثق الذي لا يتردد باستخدام لسانه ومخالبه وأنيابه للدفاع عن الولايات المتحدة ومصالحها حول العالم. جيب قادر على لعب هذا الدور. أبوه لعب هذا الدور، وشقيقه لعب أيضا نفس الدور أكثر من اللازم كما يقول منتقدوه.
لهذا السبب يبدو جيب أقوى من هيلاري كلينتون التي يصعب هزيمتها إلا من هذه الزاوية. العالم فوضى هذه الأيام، وبحاجة إلى رئيس قوي يقوم بإعادة ترتيبه. أميركا خسرت مصالحها وأغضبت حلفاءها وبحاجة إلى رئيس خبير يستعيد النفوذ ويصالح الأصدقاء. هذا ما يجعل جيب أكثر حظوظا حتى من نجم الجمهوريين حاكم ولاية نيوجيرسي كريستي، الذي رغم مزاياه وشخصيته الكارزمية إلا أنه ليس من عائلة بوش ولا ليس بمقدورها الوقوف بوجهها، ولا يملك الخبرة في الشأن الخارجي، ولا يبدو حتى مهتما به.
العهد الأوبامي وعد بإدخال العالم إلى عهد دولي جديد. عهد متخيل متعدد الأقطاب تختفي فيه الحروب، ويتحدث فيه الجميع بلغة المصالح الاقتصادية والمال والأرقام. بوتين وبشار الأسد وحزب الله و«داعش» و«جبهة النصرة» و«الإخوان المسلمون» وغيرهم حطموا هذا الوهم. جيب بوش يبدو الوحيد القادر في هذه المرحلة على إعادة الإدارة الأميركية للواقع بدل العيش في عالم النظريات المثالية والأحلام السعيدة.
المصدر: الشرق الأوسط