يعيش ربع مليون طفل على الأقل تحت وطأة الحصار في مناطق سوريّة عدة، ويضطر كثيرون منهم إلى أكل العلف المخصص للحيوانات وأوراق الأشجار للبقاء على قيد الحياة، وفق ما أعلنت منظمة «سايف ذي تشيلدرن» الدولية غير الحكومية اليوم (الأربعاء).
وأعلنت المنظمة في تقرير بعنوان «الطفولة المحاصرة» مع اقتراب الذكرى الخامسة لبدء النزاع في سورية أن «ربع مليون طفل سوري على الأقل يعيشون تحت وطأة حصار غاشم في المناطق التي تم تحويلها بنجاح إلى سجون مفتوحة».
وأضافت: «انقطع هؤلاء الأطفال وأسرهم عن العالم الخارجي وهم محاصرون بالمجموعات المتقاتلة التي تستخدم الحصار بشكل غير قانوني سلاح حرب، وتمنع دخول الأغذية والأدوية والوقود وغيرها من الإمدادات الحيوية، كما تمنع الناس من الهرب».
وأوضحت منظمة «سايف ذي تشيلدرن» (إنقاذ الطفل الدولية) أن «الحصار المفروض على قرى سورية ومدنها أصبح أقوى من أيّ وقت مضى»، في حين أن «وصول المنظمات الإنسانية إلى هذه المناطق شبه معدوم، وتقلّص بشكل أكبر في السنة الماضية».
ويستند تقرير المنظمة إلى شهادات 126 أماً وأباً وطفلاً يعيشون في مناطق محاصرة بالإضافة إلى 25 مقابلة مع عاملين في مجالات الإغاثة والطب والتعليم. وقال التقرير إن هذه الشهادات تظهر كيف أن «الأطفال المرضى يموتون في حين أنّ الدواء الذي يحتاجون إليه موجود في الجهة المقابلة من الحاجز، والأطفال يضطرون إلى أكل العلف الحيواني وأوراق الأشجار، وهم على بعد كيلومترات قليلة من مخازن الأغذية».
وتنقل المنظمة في تقريرها عن رائد، وهو عامل إغاثة في مدينة معضمية الشام المحاصرة من قوات النظام في ريف دمشق، قوله: «يعيش الأطفال على شفير الموت ويضطرون لأكل أوراق الشجر»، مشيراً إلى «منع إدخال الطحين والحليب» إلى المنطقة.
ويوضح حسان المقيم في مدينة دير الزور (شرق) التي يسيطر تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على ستين في المئة من أحيائها، بالقول إنه «عندما لا نجد الطعام كنا نأكل الأعشاب. اعتدت الكذب على أطفالي وإخبارهم أن الأعشاب صالحة للأكل. ولكن على من أتحايل؟ لم تكن الأشاب صالحة للأكل».
وفي الغوطة الشرقية، أبرز معاقل الفصائل المعارضة في ريف دمشق والمحاصرة من قوات النظام، يقول الطفل سامي: «أحياناً كنت أخلد إلى النوم مع أشقائي وشقيقاتي من دون أن نأكل شيئاً من اليوم السابق لأن لا طعام لدينا».
ويعمل الأطباء، وفق التقرير، في ظل ظروف صعبة «من دون توافر الكهرباء والمعدات الأساسية».
ويؤكد نزار، وهو طبيب يعمل شرق دمشق في مناطق تحت سيطرة الفصائل المعارضة ومحاصرة من قوات النظام، معاينته أطفالاً ماتوا من جراء أمراض كان يمكن الوقاية منها.
وينقل عنه التقرير قوله: «نتجت بعض حالات الوفاة من سوء التغذية، وبعضها الآخر من جراء النقص في الأدوية واللقاحات»، مضيفاً: «مات أطفال هنا من جراء داء الكلب لأن اللقاح الخاص به لم يكن متوافراً».
ويتحدث عن «انتشار أمراض جلدية ومعوية بسبب قطع النظام للمياه واعتماد السكان على مياه الآبار التي غالباً ما تكون ملوثة بمياه صرف الصحي»، بالإضافة إلى معاناة الأطفال في شكل خاص من «التهابات الرئة من جراء الدخان الكثيف المنبعث من التفجيرات».
ويعيش الأطفال المقيمون في مناطق محاصرة، وفق المنظمة، في حال من الخوف الدائم وهم يعانون من تداعيات نفسية عميقة في ظل استمرار الغارات الجوية والقصف.
وفي المناطق المحاصرة في شمال محافظة حمص (وسط)، تغيب خدمات الرعاية الصحية الخاصة بالولادات، وتتحدث أميرة في التقرير عن «حالات ولادة جرت في المنازل من دون مساعدة قابلات».
ويؤكد عبود، وهو عامل صحي قرب دمشق، أن «عدم وجود حاضنات مخصصة للأطفال حديثي الولادة أدى إلى وفاة عدد من الأطفال الرضع».
وتحولت سياسة الحصار خلال سنوات النزاع السوري إلى سلاح حرب رئيس تستخدمه الأطراف المتنازعة، إذ يعيش حالياً وفق الأمم المتحدة 486 ألف شخص في مناطق يحاصرها الجيش السوري أو الفصائل المقاتلة أو «داعش»، ويبلغ عدد السكان الذين يعيشون في مناطق «يصعب الوصول إليها» 4.6 ملايين نسمة.
وتشهد سورية نزاعاً دامياً منذ خمس سنوات تسبب بمقتل أكثر من 270 ألف شخص، وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
المصدر: جريدة الحياة