كاتبة سعودية مقيمة في دبي
حين تأخر جواز سفري مع ضابط الجوازات في الكويت مدة تجاوزت الساعة بدأ عقلي يسرّب قلقه على طريقته، سائلاً إياي «بدرية هل تنتمين إلى تنظيم سري؟ قلت له: لا والله، فعاد يقول لي: اعترفي هل تحملين معك مخدرات؟ فقلت له أقسم بالله لا». فعرفت أنني بعد هذين الجوابين يجب ألا أقلق، لكن هذا لم يمنعني من أن أتعجب بعد سماع قرار أن وزارة الداخلية تمنع مواطنة خليجية من دخول أراضيها بدلاً من أن تتيح لها الدخول من دون جواز سفر أو هوية، بل وكاتبة تكتب في صحف الكويت وفي الصحف السعودية وتباع كتبها في الخليج. وعلى رغم هذا فقد أعجبت بطريقة الأمن الذي يسرق طمأنينتك من جهة ويعيدها لك من جهة أخرى، فهم يتركونك مع قلقك الذي يهوّل المسائل حتى تهون عليك مصيبتهم، فبعد التنظيم السري والمخدرات، لا يعود منعك من الدخول إلا مما قدر الله ولطف.
ليس من عادتي أن أتجاوب كثيراً مع منطق المؤامرات وأفتش عن الأبطال الخفيين وراء كل قصة، فالعقل يحتاج إلى معلومات كي يصل إلى نتيجة، ومن منعني من الدخول إلى أرض الكويت هي وزارة الداخلية، التي صرّحت لصحيفة «الحياة» في عدد أمس بأن السبب هو تحفظ أمني وليس تهمة ولا جريمة. وقد فهمت منها أن الجهات الأمنية، على رغم أنها لا تقرأ الروايات ولا الكتب، إلا أنها تستطيع أن تتحفظ على أصحابها، بدلاً من أن تتحفظ على الكتب وتحيلها إلى وزارة الإعلام، ولم تفطن إلى أن تحفظها هذا سيجعل بعض الناس وبعض الصحف يتحفظون عليها، وعلى رأسهم صحيفة «الجريدة» التي جعلت الخبر موضوع افتتاحيتها في اليوم التالي بعنوان «عذراً بدرية فالكويت قد تغيّرت»، لكنهم بالتأكيد كانوا يدافعون عن الحريات التي يكفلها لهم دستورهم وعلى رأسها حرية التعبير، إلا أن هذا لم يمنع انتهاز بعض الناس الخبر لتمرير تبريرات شعبية تجعل أسرع طريق لقطع الطريق على الكاتب هو رميه بتهمة التكفير والإلحاد.
هذه الطريقة النارية في الانتشار، على رغم أنها تعادل دعاية مجانية تروّج كتبنا، لا تروقني، فهي تصنع منا أبطالاً ونحن لسنا كذلك، فما نحن سوى أناس نقوم بمسؤولياتنا الصغيرة قدر سعتنا، لكننا في الجانب الآخر نرفض أيضاً أن نكون ضحايا لمثل هذه الإجراءات الأمنية، التي تضع الكاتب في مواجهة أمنية بالقدر الذي تضع فيه المجرم الخطر.
ما الذي يجنيه الناس حين يتحول شغفهم بالكتب إلى فضول وبحث عن ممنوعات؟ فهكذا يبقى الناس في حالة مراهقة، تحت الوصاية الدائمة، ليست لديهم الفرصة كي يكبروا، وينضجوا. وسيحرمون من فرصة أن يستخدموا عقولهم ويتمتعوا بنعمة التمييز بين الغث والسمين.
بعض المغردين الذين لم يقرأوا كتبي في الأصل صرحوا في «تويتر» بأنهم سيحرصون من الغد على قراءتها، فلا بد من أن منعها يعني أن فيها ما يستحق القراءة. هل ترضى الرقابة الأمنية أو الثقافية أن يكون منعها الكتب شهادات على جودتها؟ وتصوّر أن يحدث هذا في الكويت. هذا ما حدا بالزميل ناصر الصرامي أن يكتب في تغريدته على «تويتر» «عسى خير يا كويت». فعلاً «عسى خير يا كويت».
المصدر: الحياة