رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
لا أحترم من يتوارون خلف العبارات المنمقة، ويمررون أجنداتهم بين السطور. لا يعجبني من يفضلون المداهنة يوماً، والمغازلة يوماً آخر، والمنطق يوماً ثالثاً، ثم فجأة يتحولون للعدائية الشديدة والتحريض في اليوم الرابع. تجدهم حولك أينما يممت وجهك، يتخفون ولا يعلنون عن انتماءاتهم الحقيقية، وكأنهم يعلمون أن وراء الأكمة ما وراءها. يناصرون ”إخوانهم” وتنظيمهم العالمي بحماس منقطع النظير، والويل والثبور لمن يطلق عليهم لقب ”إخواني”. فهل هناك ما يخشونه؟ لا تجد من يجيب عن هذا السؤال أبداً.
هل يتمنون ربيعا إخوانيا في الخليج؟ لا شك أن ذلك غاية أمنياتهم ورغباتهم، ربما ليسوا جميعا يصرحون بها، ولكنهم يعملون عليها ليلاً ونهاراً، في حين أن بعضهم أكثر صراحة ودون مواربة أو ”تقية”، ويعلنها بأن ”الحل” هو ربيع يعم دول الخليج، هكذا، فهذا هو مطلبهم الأول، أما وسيلتهم فلن يجدوا أفضل من وصول ”الإخوان” في مصر وتونس واليمن. يعتقدون أن ذلك مبرر كاف لـ ”تسريع” وتيرة الحركية التي يعملون تحت مظلتها في دول متعددة وتحت غطاءات ومسميات مختلفة.
أن يصل الغنوشي وجماعته للحكم في تونس، أو أن يحكم الدكتور مرسي مصر، أو أن يكون الزنداني هو المنظر لمستقبل اليمن السعيد في ظل الإخوان المسلمين، فهذا أمر تحكمه صناديق الاقتراع في تلك الدول، كما أنه اختيار تلك الشعوب وهي التي تحدد صواب اختياراتها من عدمه. غير أن تعويل إخوان الخليج على ”إخوانهم” هناك لدعمهم في المرحلة القادمة، هو أخطر ما يمكن تصوره، ربما لم يأت الدعم بصورته الواضحة حتى الآن، لكننا رأينا بعضاً من بوادره في أزمة الإمارات معهم، وكيف تضافرت الجهود الإخوانية، ولا تزال، برفع وتيرة التحريض ضد الإمارات ونظامها، فالإمارات أولاً وبقية دول الخليج تالياً، بالتأكيد ليس المقصود أن تكون جميع دول الخليج في مرمى نيران الإخوان، فقطر، مثلا، على علاقة متينة معهم، وهي ليست في مرمى نيرانهم أبدا.
إذا كانت فترة الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد شكلت الصعود الحقيقي للإخوان المسلمين في مصر، فإن إخوان الخليج يرون في مرحلة ما يعرف بـ ”الربيع العربي” الفرصة الذهبية التي لا تتكرر للوصول إلى غايتهم، فهناك أربع دول عربية يسيطر الإخوان على الحكم فيها (تونس، مصر، اليمن، بالإضافة إلى السودان)، وهناك دولة خامسة تدعمهم بقوة (قطر)، وللأسف فإن قليلاً من العقلاء من يوالي بلده ولا أحد سواها، أما الغالبية منهم فإن الأجندة المشتركة تحتم تقديم مصلحة التنظيم، ولو كان في دولة أخرى، على ما سواها.
للمراهنين على ربيع خليجي، سواء أولئك المتخفون والهامسون همساً، أم أولئك الواضحون منهم والأكثر شجاعة، نقول إن التلحف بعباءة الدين أصبح بضاعة رديئة لا تجني أرباحاً كما كانت، فعلها قبلكم متطرفو ”القاعدة” وعادوا بالخسران المبين. لا فرق بينكم وبينهم، هم يجاهرون بها جهراً، وأنتم تضعون عليها قناعاً تجملون به الحقيقة.