السعد المنهالي
السعد المنهالي
كاتبة إماراتية

رجل القش.. الخارق!

آراء

البعض يمتلك مقدرات مثيرة في تحوير الكلام وتوجيهه إلى مناطق بعيدة جداً لا تمت بصلة إلى أصل الحديث، فيجد الشخص المقابل نفسه وقد أسقط في يده، مضطراً للرد والدفاع بحيرة وندم عن أمور لم يطرحها أساساً! وهذا يحدث كثيراً للأسف في النقاشات الاجتماعية التي تغلب فيها العواطف ويغيب المنطق، مما يتسبب بتحييد النقاش عن هدفه الأساسي وإعاقة التواصل، وعادة ما يكون سببها عدم الانتباه. المثير أني وجدتها أيضاً في أماكن لا يصح فيها عدم الانتباه، كمناقشات العمل وحوارات المثقفين، وسجالات مواقع التواصل الاجتماعي، ووجدت أيضاً أنها تستخدم بذكاء ممنهج، وبأطروحات مدروسة بهدف الاحتيال الفكري لكسب حوار أو إحراج خصم في سبيل تحقيق دوافع مختلفة وشتى، ويسمى هذا النهج في تحوير الكلام (مغالطة رجل القش).

ورجل القش هو ذلك الهيكل على هيئة رجل محشو بالقش يستخدم لإخافة الطيور وإبعادها عن الزرع، أطلقه أهل المنطق على من يقوم بإعطاء انطباع برد منطقي وقوي على حجة خصمه، في حين أن ما رد عليه لم يطرحه الخصم أساساً. وعادة ما يتم الرد عليه هو أمر هش واضح الضعف فيسهل إيجاد أخطائه وتبيان ضعفه.

في علم المنطق هناك عدد من «المغالطات» – خمسون مغالطة تقريباً – يجب أن يدركها الدارس، كونه علماً يقوم القواعد والطرق التي تنظم وتحدد مناهج التفكير والاستدلال السليم، ووجود هذه المغالطات يعيق ويعرقل ذلك، ولذا فمن المهم جداً تحييد هذه المغالطات وتجنبها، وامتلاك القدرة على مواجهة مرتكبها في الحين – إن أمكن ذلك – قبل أن يتمادى ويتمكن من استمالة الآخرين وتحييد النقاش عن هدفه الأساسي.

والحقيقة أنه وبعد اتساع مساحات النقاش والسجال أصبح من المهم جداً أن يدركها أي شخص لتجنب مواطن الخلل في استدلالاته، أو لمواجهتها فوراً قبل أن تستنفد طاقته ووقته عندما يلجأ إليها الآخرون. هذه التشوهات التي تُمارس في حواراتنا تُقوِّض عمليات التواصل التي يحتاجها الإنسان لكي يحيا حياة طبيعية على كل المستويات في أسرته ومحيط عمله ومجتمعه الواقعي والافتراضي، وتبدو خطورتها في نتائجها الكارثية المتمثلة في أشكال النزاع والخصومة المتزايدة حولنا.

المصدر: الاتحاد