كاتب سعودي
تصدّر الإعلان عن موافقة مجلس الوزراء على توصية مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بفرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، قمّة هرم الأخبار الاقتصادية في السعودية، ونظرًا لأهميته وثقل وزنه وتأثيره على مستوى الاقتصاد الوطني، لا على مستوى السوق العقارية المحلية فقط، سيظل تأثير هذا القرار الاستراتيجي الذي دام انتظاره عدّة أعوام ماضية؛ تاركًا بصماته العميقة على المشهد الاقتصادي والمالي والعقاري في السعودية لعدة عقودٍ قادمة. يُنتظر خلال الفترة القادمة نتائج عمل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية على إعداد الآليات والترتيبات التنظيمية لتطبيق تلك الرسوم على الأراضي البيضاء، والرفع من ثم بما يتم التوصل إليه إلى مجلس الوزراء تمهيدًا لإحالته إلى مجلس الشورى لاستكمال الإجراءات النظامية في هذا الشأن بشكلٍ عاجل. وبالنّظر إلى الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة الحريصة جدًا على سرعة معالجة ملف الإسكان، والجدية في مواجهة الأزمة العقارية المحلية التي وصلت إلى مستويات بالغة الخطورة، وقياسًا على الأداء الفعال الذي اتسم به عمل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية منذ بدء عمله القريب، يكمن القول إن آلية العمل المشار إليها أعلاه لن تستغرق زمنًا طويلاً، وقد يُفاجأ الجميع بسرعة إنجازها وإتمامها.
إنّ من أهم ما سيسهم به قرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء داخل النطاق العمراني للمدن والمحافظات والمراكز، هو رفعه لتكلفة احتكار الأراضي والاحتفاظ بها لمددٍ زمنية طويلة كمخزنات قيمة، كان لا يقابلها أي أعباء مالية على ملّاكها، وأنّه سيعزز كثيرًا من الاستفادة القصوى للإنفاق الحكومي الكبير على البنى التحتية، التي تستقطع أعلى من ثُلث الإنفاق، وتوظيف ذلك الإنفاق الرأسمالي الكبير في اتجاه الهدف الرئيسي منه، وكونه سيسهم في إيقاف مسلسل انحراف ترجمة ذلك الإنفاق إلى مجرد زياداتٍ سعرية مبالغ فيها لأسعار الأراضي، لا تصبُّ فوائدها الحصرية إلا في حساب ملّاك تلك الأراضي البيضاء الممتنعين عن تطويرها وإحيائها كما ينبغي، في الوقت ذاته الذي تنعكس فيه سلبًا تلك الارتفاعات المبالغ فيها للأسعار على الاقتصاد الوطني، وعلى تأخير وتعطيل تلبية الاحتياجات التنموية لأفراد المجتمع. تُعد أزمة الإسكان والسوق العقارية في السعودية أحد أهم وأكبر التحديات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، كما أنّها أزمة متشعبة الأسباب بدرجة واسعة وكبيرة، ما يدفع بالقول إن الأدوات اللازمة لحلّها والقضاء عليها، يتجاوز كثيرًا مجرد الوقوف عند أداة فرض الرسوم على الأراضي البيضاء، على الرغم من كونه أحد أهم وأول الحلول اللازمة للتصدّي للأزمة. إذ يُنتظر في المستقبل القريب أن تتدفق بقية الحلول والأدوات المرتقبة في منظومة اقتصادية ومالية متكاملة، تستهدف مجتمعة نقل الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته، بما يحقق له مزيدًا من تنويع قاعدته الإنتاجية، وفتح المزيد من قنوات الاستثمار وزيادة قدرته على استغلالها بصورةٍ أمثل، الهادفة لاجتذاب فوائض السيولة الهائلة التي يتمتع بها الاقتصاد، إضافة إلى زيادة فرص العمل الكريمة للمواطنين والمواطنات كنتيجةٍ تالية لتوظيف تلك الفوائض المالية في مشروعاتٍ للقطاع الخاص.
ولكي تُترجم تلك البرامج أو الحلول الأخرى التي لا تقل أهميتها عن كل ما تم إنجازه حتى تاريخه، لا بد أن يمضي العمل على تحقيقها وفق رؤية استراتيجية شاملة، تتجاوز في حيويتها وفعاليتها رتابة خطط التنمية الخمسية، وبوجود مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذي يشبه مجلس الوزراء المصغر إلا أن عمله ومهامه تتركّز على الجوانب الاقتصادية، سيكون من السهولة بمكانٍ تحقيق تلك الرؤية الاستراتيجية الشاملة، وأن ينشأ عنها ما يشبه الدليل التنفيذي لأداء أعمال مختلف الأجهزة الحكومية الخاضعة لإشراف ورقابة المجلس.
لعل من أهم ما يُرتقب من الحلول الأخرى المساندة لقرار فرض الرسوم على الأراضي البيضاء ما يلي:
1 – أنْ يتم تحويل أكبر قدرٍ ممكن الأراضي المُلغى صكوكها من قبل وزارة العدل، والمستردّة لأملاك الدولة إلى وزارة الإسكان، لمساعدتها على تنفيذ مشروعاتها الإسكانية اللازمة.
2 – أنْ يتم تمويل تكاليف إنشاء الوحدات السكنية المخطط لها من متحصلات الرسوم والغرامات على الأراضي البيضاء، كموارد مالية تضاف إلى الموارد المالية التي خصصتها الدولة لمشروعات الإسكان (250 مليار ريال)، حيث يمكن توزيع متحصّلاتها على كلٍ من وزارة الإسكان لتمويل تكاليف تطوير الأراضي وإنشاء الوحدات السكنية، وصندوق التنمية العقارية بما يعزز من قدرته على زيادة حجم قروض الإسكان للمواطنين.
3 – العمل بصورةٍ عاجلة على فتح قنوات الاستثمار البديلة لسوقي المال والعقار، وتسهيل إجراءات تأسيسها وإنشائها، التي ستسهم بدورها في اجتذاب السيولة المحلية الكبيرة الباحثة عن تلك القنوات الاستثمارية المجدية، الذي سيُسهم بدوره في زيادة كل من تنويع قاعدة الإنتاج وقنوات الاستثمار المحلية، وإيجاد المزيد من فرص العمل الكريمة للمواطنين، ويحسن من مستويات دخلهم.
4 – تطوير ودعم سوق السندات والصكوك، ولعل من أهم خطوات دعمها قيام الحكومة بتمويل مشروعاتها الرأسمالية الراهنة والمستقبلية عبر إصدار صكوك، والذي سيسهم بصورة سريعة في امتصاص أجزاء كبيرة من السيولة المحلية، والذي بدوره سيخفف من احتقان السيولة المتركزة، سواء في السوق العقارية أو السوق المالية، ويعجل بمزيد من تنفيس تضخم الأسعار، والحد كثيرًا في المستقبل من تشكل الفقاعات السعرية في السوق المحلية عمومًا.
5 – أنْ تتولى كل من وزارة التجارة والصناعة ومجلس حماية المنافسة حصْر ومراقبة كل من:
أولاً: ملكيات الأراضي بمساحاتٍ شاسعة، وتطبيق أنظمة الحد من الاحتكار، وإرساء المنافسة في السوق.
ثانيًا: مراقبة تحركّات أسعار الأراضي والعقارات وأثمان التأجير في السوق، وأن تطبّق بحقها الضوابط النظامية التي تحد من التحكّم والتلاعب بها.
ثالثًا: أن تتولّى تنفيذ الإجراءات والعمليات اللازمة للحد من المضاربة وعمليات التداولات العقارية العالية. تستهدف تلك الإجراءات اللازمة ضرْب الأسباب الحقيقية للأزمة في عمقها، كما يقع على عاتق وزارة التجارة والصناعة مهمة القيام بالنشر المنتظم لنتائج تلك المهام، لعل من أهم ما يجب نشره تحركات الأسعار، وإصدار مؤشر دقيق يوضح اتجاهاتها في السوق.
6 – أنْ تقوم كل من المؤسسة العامّة للتأمينات الاجتماعية وصندوق التقاعد بتغيير سياساتهما الاستثمارية، وتحديدًا المتعلقة بالاستثمار في القطاع العقاري، التي ساهمتْ وفق وضعها الراهن في زيادة احتكار الأراضي واحتجازها، ويُبحث معها في كيفية التعامل مع ما لديها من مخزون هائل من الأراضي، إضافة إلى تغيير النموذج الاستثماري الذي تعمل من خلاله. والله ولي التوفيق.
* عضو جمعية الاقتصاد السعودية
المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/321361