رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
شهر التسامح والغفران، لكنه بالتأكيد لن يوقف الحقد الطائفي البغيض، ولن يوقف العنف والقتل والتصفيات والتعذيب، شهر المحبة، لكنه لن ينهي الكراهية الشديدة، التي يحملها أولئك المتشددون والمتطرفون في قلوبهم للعالم، وللآخر، لن يوقف رمضان مآسي الأمة الإسلامية في العراق وسورية واليمن، لسبب واحد هو أنه رمز لتسامح الإسلام ورحمته، وهؤلاء جميعاً هم أبعد ما يكونون عن الإسلام ورحمته!
أبسط نتيجة يمكن أن يصل إليها العقل، هي بعدُ الفكر التكفيري المتشدد عن سماحة الدين الإسلامي، ففي الوقت الذي تطمئن فيه نفوس المسلمين بمجرد بلوغهم رمضان، وتتغير فيه سلوكياتهم نحو الأفضل، ويتقربون من ربهم أكثر وأكثر، تجد هؤلاء التكفيريين والمتشددين يعيثون في الأرض فساداً، ويمعنون في القتل، وينشرون العنف ضد إخوانهم المسلمين أولاً، وضد العالم أجمع ثانياً، فبأي إسلام يدينون؟! وأي رمضان ذلك الذي لم يثنِ عزيمتهم عن إزهاق أرواح المسلمين بدم بارد؟!
المتطرفون هم أبعد ما يكونون عن الدين الإسلامي، هم إرهابيون لا دين لهم، مهما كانت توجهاتهم وطائفتهم، هم أوجه عديدة لعملة واحدة عنوانها الحقد والكراهية، لا يمتون إلى سماحة الإسلام بأي صلة أو رابط، ما يروّجون له من تشدد وتعنت يخالف كل أحكام الدين، ويخالف تعاليم الخالق العظيم، الذي خلق الناس جميعاً، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، لا ليتناحروا، ويقطع بعضهم رقاب بعض!
إنها آفة العصر، آفة خطيرة للغاية، لن تستطيع دولة مهما كان حجمها وقوتها أن تقضي عليها متفردة، لأن الخطر يكمن في الفكر، والفكر متجذر في العقل، والعقل يقود الجسد إلى التفجير، ونشر الدمار، وقتل الأبرياء، هؤلاء لن تقضي عليهم الطائرات ولا الغارات، بل يقضي عليهم العلم، ونشر المعرفة، ومكافحة جهلهم الصارخ بمواجهته بالفكر الصحيح، الخالي من الشوائب والمغالطات.
الفكر الملوث مختلف، ليس حكراً على طائفة بعينها، كل طائفة ملوثة بأفكارها المتطرفة، هناك أشكال مختلفة من التشدد والتطرف والتخلف والجهل، لكن النتيجة واحدة، والأفعال الإجرامية الإرهابية واحدة، وقتل الأبرياء وانتهاك الأعراض فعل ثابت، يتشارك فيه كل أولئك الملوثين فكرياً، أولئك الذين يشتركون في الصفة ذاتها، فهم جميعاً إرهابيون!
إسلامهم لا نعرفه، ولم نسمع به، ولا يتشابه مع الدين الإسلامي الحنيف في شيء أبداً، فنحن لم نسمع عن إسلام يبيح تفجير المساجد، وقتل المصلين، ولا نعرف إسلاماً يبيح قتل موظفين حكوميين مسلمين لا ذنب لهم سوى أنهم يؤدون واجباتهم الوظيفية، على اعتبار أن حكوماتهم «كافرة»، وفقاً لتقنين وتصنيف أولئك الجهلة، ولا نعرف إسلاماً يوغر القلوب بالضغينة والحقد والكراهية المقيتة التي تشجع على قطع الرقاب، وتذل الإنسان وتهينه، كراهية تحلل قتل الأطفال الأبرياء، واغتصاب النساء، لأن أصحابها مختلفون في المذهب والمعتقد، ولا يتفقون مع هؤلاء القتلة في أحداث تاريخية مضت عليها مئات السنين، لذا الانتقام اليوم على ذلك الاختلاف الذي لم تمسحه تلك السنوات الطويلة، أي دين هذا؟! وأي إسلام ذاك؟!
لن يغير شهر رمضان، شهر الخير والمغفرة والعبادة، في قلوب هؤلاء شيئاً، فقلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وعقولهم كذلك جامدة صلبة، مغلقة، متحجرة بفكر ملوّث شاذّ عن الحق والخير والدين، لم تأتِ به أي شريعة سماوية، ولا يقرّه أي عقل بشري!
والمهمة الصعبة التي تواجهنا هي كيفية محاصرة هذا الفكر المتشدد، وضمان عدم تغلغله أو انتشاره، وكيف يمكن أن نحمي أبناءنا ومجتمعنا من هذا التلوث وهذه الترهات، وهذا الجهل المغلّف بالدين، لاشك في أن ذلك لن يتم إلا بنشر العلم والثقافة، ونشر المعرفة والقراءة، فالفكر السوي الصحيح هو الذي سيقضي على هذا التطرف، والقراءة التي تغذي العقول هي الضمانة لقطع دابر الجهل والجهلاء!
المصدر: الإمارات اليوم