مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
في كل مرة يطرق علينا العيد أبواب النهار، تهل تذكارات كثيرة مخزونة في ذاكرتنا، عن أعياد الطفولة والمراهقة، عن المغامرات التي خضناها للحصول على العيدية، عن الحماقات التي دفعنا ثمنها لقاء أن نحظى بشيء من اللهو البريء دون علم الأهل، كما نستعيد تلك الأيام التي اضطررنا أن (نعيد) خارج الإمارات، فمتى عيدنا في الخارج؟ وأين؟ ولماذا؟ وكيف كان العيد هناك؟ هل اختلف؟ هل كان أفضل أم أن الأمر سيان؟
في تلك الأيام التي صارت تجري للخلف سريعاً وتندس في أدراج التذكارات، كان الناس ما زالوا ينظرون للعيد بقدسية ومهابة تليق به، وكانت صلاة العيد احتفالاً دينياً لا يفوت من قبل جميع أفراد الأسرة، وكذلك طقوس ذبح الأضحية وتوزيعها، وزيارات الأهل واجتماع الأسرة على وليمة الغداء.. وغيرها، على الرغم من الإنهاك والتعب الذي يبدو واضحاً على الكبار الذين يظل بعضهم مستيقظاً لا يذوق طعم النوم ليلة العيد، منشغلاً بين الطبخ والإعداد والترتيب و.. الخ.
في تلك الأيام التي لم نعد نملكها، كان أول ما يعنيه بالنسبة لنا هو الثياب الجديدة، والعيدية التي تمنح بكرم، واستعداد الكبار للذهاب لمصلى العيد مضمخين بالبخور والعطور، يحملون سجاداتهم وينضمون للجموع الساعية للصلاة، فإذا أفصحت الذاكرة عن كل مخزونها ضج الفضاء بأصوات التكبير تملأ جنبات المنزل والحي تنطلق من مساجد الأحياء، بينما تتسمر أمي وجدتي أمام التلفزيون لمتابعة صلاة العيد والخطبة منقولة من مكة المكرمة.
بيتنا على عادته كان ضاجاً بروائح العيد، البخور والعطور والأطفال، الذين هم رائحة الأيام وعطر العيد الحقيقي، اختفى أولئك الذين ينهمرون على البيت باكراً، نساء وأطفالاً لأخذ العيدية، لم يعد يأتي أحد كالسابق، كما تناقصت أعداد الأقارب والأهل الذين يحضرون للسلام والمعايدة، لقد أصبح الناس يهربون من «أعباء» العيد ويتخففون من التزاماتهم الاجتماعية عبر بوابة السفر!
المصدر: البيان