خاص لـ هات بوست:
يشهد العالم اليوم تحوّلًا استراتيجيًا كبيرًا في شكل النظام الدولي حسب السياسات التي يفرضها الواقع والمصالح المشتركة سواء على المستوى السياسي وغيره، مع بروز ملامح تحالف شرقي متنامٍ بين روسيا والصين والهند، والذي يهدف إلى إعادة تشكيل موازين القوى العالمية ووضع حد للهيمنة الأحادية التي تسيّدت المشهد لعقود طويلة من الزمن بقيادة الولايات المتحدة.
هذا التحالف الذي يجمع قوى ديموغرافية تتجاوز 2.7 مليار نسمة، واقتصادات صاعدة تمتلك التكنولوجيا والصناعة والطاقة والموارد الطبيعية والبشرية، يمثل هذا التحالف قاعدة صلبة لبناء قطب عالمي جديد يتجاوز مجرد التعاون التقليدي إلى مشروع ذي أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية عميقة متعدد الأطراف.
وتتحرك الدول الثلاث وفق رؤية مشتركة ضمن مصالحها وتسعى إلى تعزيز عالم متعدد الأقطاب كما كانت تفعل أمريكا من خلال هيمنتها على العالم، وإنتاج نظام مالي وتجاري خاص قادر على كسر احتكار الدولار كما تفعل الصين مع شركائها، وهو ما يتجسد من خلال نشأة تكتلات كبرى وجديدة مثل بريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، التي تعمل على استخدام العملات المحلية، ودعم مشروعات البنية التحتية والطاقة العابرة للحدود، وتوحيد المواقف في عدة قضايا.
وتدفع التوترات المتصاعدة بين روسيا والغرب على خلفية الحرب مع أوكرانيا، وكذلك النزاع الحاد بين الصين والولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا وسلاسل التوريد، نحو ضرورة تسريع خطوات هذا التقارب، بينما تلعب الهند دور الوسيط الذكي الذي يوازن بين علاقاتها التاريخية مع موسكو وفرصها الاقتصادية الضخمة مع بكين والغرب، في إطار استراتيجية استقلال القرار وتعظيم المصالح الوطنية.
ورغم وجود تحديات مثل الخلاف الحدودي بين الصين والهند وتباين الرؤى الدفاعية، إلا أن ما يجمع هذه الدول أكبر مما يفرقها، فمصالح القوة وضرورات التوازن العالمي باتت أولوية لا يمكن التراجع عنها.
وبناءً على ذلك، يتقدم هذا التحالف بثبات نحو صياغة مشهد دولي جديد، يُعيد توزيع القوة والتأثير بين الشرق والغرب، ويمنح الدول الناشئة موقعًا مركزيًا في اتخاذ القرار الدولي. إنه مشروع هذا التقارب الاستراتيجي متدرّج لكنه عميق الأثر في المستقبل، يعلن أن مرحلة جديدة من الجغرافيا السياسية قد بدأت بالفعل وسيكون جرس إنذار وبعض دول أوروبا، وأن المستقبل لم يعد حكرًا على القوى التقليدية السابقة، بل تصنعه اليوم إرادة الأمم الصاعدة وقدرتها على فرض حضورها في معادلة العالم الجديد.
