كاتبة سعودية
عندما تحملت الدولة رسوم الإقامة الخاصة بأبناء المواطنة المتزوجة من غير سعودي كان ذلك إشارة واضحة لتقدير الدولة واحترامها لحقها الذي بُخست منه لسنوات بسبب عجز الأنظمة عن إيجاد حلول منصفة لها، فكيف تعجز المديرية العامة للجوازات الآن عن استيعاب هذه النقطة المهمة حين عملت على تنفيذ قرار مجلس الوزراء الخاص بتنظيم زواج السعودية بغير سعودي، والذي صرح به العقيد مدير إدارة الشؤون الإعلامية والمتحدث الرسمي باسم المديرية العامة للجوازات، وذلك على موافقة (منح أولاد المواطنة السعودية المقيمين في المملكة حق الإقامة على «كفالة» والدتهم، كما لها الحق في «استقدامهم» إذا كانوا خارج المملكة للإقامة معها بشرط عدم وجود ملاحظات أمنية عليهم، كما منح النظام زوج المواطنة العمل في القطاع الخاص، وهو على «كفالة» زوجته على أن يدوَّنَ في الإقامة: (زوج مواطنة سعودية)، بشرط أن يكون لديه جواز سفر معترَف به يُمكنه من العودة في أي وقت إلى بلده)!
ومن جانب التركيبة الاجتماعية للأسرة؛ فإنَّ صياغة القرار في هذا التصريح كانت غير موفق أبداً، بل يحكي ما يكفي لضغط أو استفزاز مشاعر وكبرياء أي رجل شرقي، لما يحملة من نبرة لا تخلو من تهديد مبطَّن في عبارة مليئة (بالتمييز) تضع الأم في موقف محرج أمام أبنائها وزوجها، ولا أستغرب من خشونة هذا التصريح الذي خرج بطريقة معتادة في السلك العسكري، بل هذا يؤكد أنَّه أثناء عملية التنفيذ لم يمر هذا القرار بأي حال من الأحوال علي مختصين في الشؤون الأسرية أو الاجتماعية التي من أهم أهدافهم المحافظة على كيان الأسرة من التفكك، والعمل على نبذ أي أمر يهدِّد استقرار أفرادها؛ إذ تُعدُّ الأسرة في علم الاجتماع الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولية، التي ينبغي أن يربط بين أفرادها الاحترام والمحبة، والمتمعن في النصوص القرآنية سيجد اهتماماً كبيراً بالأسرة التي نظم القرآنُ لها حياتَها شيئاً فشيئاً، وكان أول تنظيم هو إلزام الفرد بالتعايش في أسرة واحدة يسودها الود والاحترام والتعاون، حيث ألزمت الآيات الآباء والأمهات العناية بالأطفال كما ألزمت هؤلاء الأطفال احترام الوالدين وطاعتهما والعناية بهما ولم يُفرِّق القرآن في قيمة أحد الوالدين، ولم يُشِر أي كتاب من الكتب السماوية على مر العصور بمسألة الجنسية في حق الزواج كما فرَّقت في هذا الحق الأنظمة الحالية!
وحين منح الإسلام المرأة حقَّها في الزواج لم يشترط عليها ألا تتزوَّجَ إلا بمن ترضى دينَه وخلقَه ولم يكن هناك أي إشارة لجنسية الزوج، بل وضح لنا القرآنُ أهمية الأب ومكانته في الإسلام وربط منزلته وسط الأسرة بحجم المسؤولية التي تقع على عاتقه كقائد للأسرة ومسؤول عنها، وتنظيم أمور الحياة في إطار قانوني مدروس من جميع الجهات يعني بالدرجة الأولي بالجوانب الإنسانية ليصبح قوياً ومتناغمَ الأهداف يخدم الاحتياجات البشرية لأمر في غاية الأهمية، ولكن حين تُصنَع الأنظمة استعداداً لتنفيذها على أرض الواقع ينبغي أن تُراعَى فيها الموضوعية، وليس كما جرت العادة في (نظام الاستقدام)؛ لأنَّ المعنى هنا يخصُّ استقرار أسرة وأب وأطفاله؛ لذلك ينبغي أن نتخلص في بعض القوانين من تكرار ألفاظ وعبارات لا تخدم الموضوع، خاصة بعد أن ابتعدت بعض الأنظمة التي تترجمها جهات حكومية عن الموضوعية لتصبح مادة فكاهية يسخر منها شعوب في بلدان أخرى لافتقارها للمنطق والسطحية مثل تحويل ورقة تصريح السفر القديم إلى رسالة تصل هاتفك الخلوي وأنت في مكانك في إنجاز منقطع النظير، حين تطوَّعَت في استحداث هذا النظام الجوازاتُ لتمنح أكثر من تأكيد رقابي على تحرُّكَات المرأة التي نشطت مراكز الابتكار والاختراع في المخ، بينما تطبق أغلب الدول المتحضرة هذا الإجراء الأمني علي كل مطلوب أمني فقط، ومع زيادة تدفق الأفكار الجديدة والمبادرات الإبداعية إلا أن الجوازات لم تتوصل حتى الآن إلى إيجاد نظام يرصد تحركات العمالة الهاربة، ومعاقل مزوِّري الإقامات والتأشيرات وعددها أو حتى حصر عدد مافيا العمالة غير النظامية التي تنشق عنهم الأرض ونراهم يجلسون علي جانبي الطريق.
ومن الأفضل أن تعيد الجوازات صياغة هذا القرار بطريقة ودية تلائم بناء ووضع الأسرة، ليتم التصريح مثلاً بأن النظام يسمح للمواطنة بـ (ضم) أبنائها في سجلها الشخصي، ويعطيها الحق في طلب (إقامة دائمة) لهم إذا كانوا خارج المملكة، ومع أنَّ القرار يمنحهم الحق في العمل في القطاع الخاص بعد أن (يُضموا) لسجل والدتهم، إلا أنَّ صديقتي العزيزة (أم عبدالرحمن) صرَّحت لي بكل ثقة بأن كل هذا مازال في طور الدعاية؛ لأنها راجعت جوازات الظهران الأسبوع الماضي تتساءل، وفُوجئت بأن الموظفين هناك لا يملكون أيَّ معلومات عن هذا القرار، ونصحوها بالتوجه إلى جوازات الخبر أو الدمام كالعادة حين لا يجدون إجابة، وأكدت لي هذا الأمر بعض الزميلات التي كنت أحاول بزف هذا القرار إدخال الفرحة إلى قلوبهن، ولكن كنت للأسف أُثير به مواجعَهن، فمن باب أولى أن تعمل الجوازات على تثقيف موظفيها أولاً بقرارات مجلس الوزراء ومواعيد تنفيذها أو تطبيقها قبل أن تملأ الصحف بهذه التصريحات وكأنها تمت؛ إذ لا يتحمل المواطن الآن مثل السابق ثقافة (روح وتعال) التي استنزفت الاحتياط الطبيعي لمستوى الصبر عند الإنسان!
وأقترح على مجلس الوزراء الموقَّر بأن يدرسوا موضوع تحويل مسألة تنظيم الزواج وشؤون الأسرة (للمحاكم الأسرية) المتخصصة في علم الاجتماع، وكل ما يخص أفراد الأسرة التي أصبح وجودها ضرورياً للغاية، ومتطلباً أساسياً في مجتمعنا، علي الأقل، لكي تتفرغ الداخلية في تطوير ما يخدم تخصصاتها الأمنية المتعددة، لعل المتخصصين في شؤون الأسرة ينجحون في التوصل إلى ترتيب أنسب في هذا الشأن يكون أقرب لنظام دول التعاون الخليجي، واللافت للنظر أنَّ أغلب القرارات الوزارية هنا يغلب عليها الهيمنة الذكورية بصفة عامة، ما يجعل معظمَها يصبُّ في مصلحة الرجل، ولكن يبدو هذه المرة أن مسألة (الجنسية) حوَّلت الهيمنة إلى تحامل لاإرادي باتجاه أسرة المواطنة!
المصدر: صحيفة الشرق