زيارة محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة.. شراكة تاريخية وأجندة لمستقبل عالمي أكثر أمناً واستقراراً

أخبار

د. محمد الظاهري*: 

تمثل زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الولايات المتحدة حدثاً مفصلياً يعكس عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بين البلدين، فالعلاقات بين دولة الإمارات والولايات المتحدة تمتد لأكثر من 50 عاماً، حيث تعتبر دولة الإمارات الشريك التجاري والاستراتيجي الأكبر للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع حجم تجارة غير نفطية وصل إلى 40 مليار دولار، إلى جانب العديد من الشراكات المهمة.

وتعزيز هذه الشراكة يمثل التزاماً مستمراً بالمشاركة الفاعلة في الشؤون العالمية، والمساهمة الفعالة في صياغة سياسات تعزز الأمن والتنمية والاستقرار والأمن والسلم الدولي وفقاً للمبادئ المشتركة عالمياً.

وتؤكد استثمارات الإمارات في الاقتصاد الأمريكي، التي تتجاوز تريليون دولار، أهمية هذه الشراكة، كما أن الإمارات قد وقعت شراكة بقيمة 100 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، وأخرى بقيمة 100 مليار دولار لتعزيز الطاقة النظيفة وتسريع انتشارها عالمياً، ما يعزز الجهود المشتركة لتحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم.

المكانة العالمية المتنامية لدولة الإمارات

وبفضل الجهود الحثيثة والقيادة الحكيمة لسموه، تبوأت دولة الإمارات مكانة بارزة على الساحة الدولية، فصاحب السمو بوصفه شخصية مؤثرة عالمياً يسهم بفاعلية في مواجهة التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، مثل الأمن الغذائي، والتغير المناخي، والطاقة المتجددة.

وقد ساعدت الرؤية الاستشرافية لسموه في جعل دولة الإمارات مركزاً عالمياً للتنمية المستدامة، كما باتت دولة الإمارات نموذجاً يحتذى في المنطقة والعالم، لدورها المحوري في قضايا مثل الاستدامة والابتكار، وبما يسهم في تشكيل مستقبل أفضل لأجيال المستقبل.

كما تعتبر الإمارات شريكاً رئيسياً وفاعلاً في تعزيز الاستقرار الإقليمي، حيث تتجلى جهود الدولة في الوساطات الدبلوماسية والجهود الإنسانية والتنموية التي تسهم في حل النزاعات، وذلك من خلال استراتيجياتها المدروسة، إذ تعمل الإمارات على تعزيز الحوار الإقليمي وتوسيع التحالفات مع القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة، وقد شهدت العقود الماضية محطات مهمة في مسيرة التعاون العسكري، حيث وقعت الإمارات والولايات المتحدة عام 1994 اتفاقية للدفاع المشترك، ما عزز التعاون العسكري والأمني بين البلدين بشكل كبير.

وقد أصبح التعاون في مجال مكافحة الإرهاب أحد الأركان الرئيسية للعلاقة بين الإمارات والولايات المتحدة.

وتسهم دولة الإمارات بفاعلية في الجهود الدولية الهادفة إلى تحقيق الأمن والسلام في المنطقة، كما تشارك بنشاط في مكافحة الإرهاب، الذي يمثل معضلة عالمية، حيث تعتبر الأمن الإقليمي والدولي من أولوياتها، وتستند استراتيجياتها إلى فهم عميق للبيئة السياسية المعقدة في المنطقة، بما يسمح بالطبع لها بخلق حلول فعالة تعزز من مبادئ الاستقرار، وتدعمه من أجل مستقبل أفضل تستشرفه بكل ثقة واقتدار.

الملفات الرئيسية لزيارة رئيس الدولة تبني أسس مستقبل مستدام

زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد إلى الولايات المتحدة تأتي في وقت يواجه العالم تحديات كبيرة تتطلب تعاوناً دولياً وثيقاً.

ومن بين الملفات الحيوية المجدولة:

• التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة: تسعى الإمارات والولايات المتحدة لتعزيز شراكات في مجال الابتكار والتكنولوجيا، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال استثمار مشترك بقيمة 100 مليار دولار، هذه الشراكات تهدف إلى دعم التقدم العلمي والتكنولوجي، الذي يمكن أن يسهم في تحسين حياة البشر حول العالم.

• التغير المناخي والطاقة المتجددة: تأتي هذه الزيارة في وقت يستعد قادة العالم لحضور مؤتمر «كوب 29» في العاصمة الأذربيجانية باكو، وذلك بعد الاستفادة من مخرجات مؤتمر «كوب 28» الذي استضافته دبي العام الماضي.

وتسعى دولة الإمارات من خلال فرقها الدبلوماسية إلى توحيد الجهود العالمية الهادفة إلى مكافحة التغير المناخي. ولعل شراكة دولة الإمارات مع الولايات المتحدة بقيمة 100 مليار دولار التي تركز على تسريع انتشار الطاقة النظيفة عالمياً من أبرز تلك الجهود.

• الابتكار الزراعي لتعزيز الأمن الغذائي: تعد مبادرة الابتكار الزراعي للمناخ، التي تبلغ قيمتها 17 مليار دولار، أحد الجهود المشتركة بين البلدين لتعزيز الأمن الغذائي العالمي وتطوير حلول مبتكرة لمواجهة التغيرات المناخية التي تهدد الإنتاج الزراعي.

ملفات حيوية أخرى من المتوقع مناقشتها خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، إلى الولايات المتحدة، حيث تسعى الإمارات والولايات المتحدة إلى تطوير شراكات في مجال الابتكار، وهذا التعاون بالطبع يمكن أن يسهم في تحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز الابتكار وزيادة الكفاءة في مختلف القطاعات.

أهمية المؤسسات الأكاديمية في إعداد القادة

تعتبر المؤسسات الأكاديمية، ومن أبرزها أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية، حجر الزاوية في إعداد قادة المستقبل والدبلوماسيين القادرين على مد جسور التواصل بين مختلف الدول وتمثيل الإمارات في المحافل الدولية، حيث تقدم الأكاديمية برامج تدريبية متخصصة تسهم في تجهيز الجيل الجديد بالمعرفة والمهارات اللازمة لتعزيز العلاقات الدولية.

إن الاستثمار في العقول الشابة يعد استثماراً في المستقبل، حيث سيشكل هؤلاء قادة الجيل القادم من الدبلوماسيين الذين سيتولون مسؤولية تمثيل دولة الإمارات وإيصال رسالتها إلى العالم.

نرى أن هذه الزيارة تعكس وترسخ أهمية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وستعمل على تعزيز التعاون المستمر، الذي يعتبر حجر الزاوية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وفي هذه الزيارة فرص جوهرية لتأكيد الالتزام المشترك بمستقبل أكثر ازدهاراً وأمناً.

محمد إبراهيم الظاهري، نائب مدير عام أكاديمية أنور قرقاش الدبلوماسية

المصدر: البيان