سعيد المظلوم
سعيد المظلوم
ضابط في شرطة دبي برتبة مقدم ، حاصل على درجة الدكتوراة من جامعة سالفورد بالمملكة المتحدة في إدارة التغيير وعلى درجة الماجستير في الإدارة العامة (MPA) من جامعة ولاية أوريجون بالولايات المتحدة الأمريكية، مهتم في مجال الجودة والتميز المؤسسي ، يعمل حالياً مديراً لمركز أبحاث التميز بالإدارة العامة للجودة الشاملة بشرطة دبي

زيت زيتون

آراء

ظهر يوم إحدى الجمع وبعد الصلاة مباشرة وأمام المسجد الجامع في مانشستر، وجدت مجموعة من الشباب المسلم يبيعون عبوات زيت زيتون يذهب ريعه لمساعدة إخواننا المزارعين في فلسطين، فقلت في نفسي هي حجة وحاجة، فالبيت يخلو من زيت الزيتون الضروري للزعتر الذي أعشق، وهو أيضاً واجب علينا كدعم بسيط لإخواننا المضطهدين من غدر القريب والبعيد هناك في أرض الإسراء والمعراج. فقمت بشراء عبوتين بعشرة جنيهات إسترلينية. ولكن بمجرد وصولي إلى المنزل اكتشفت أن الزيت قد انتهت صلاحيته منذ شهر مضى، حينها رجعت بمخيلتي شهوراً إلى الوراء حين وقف خطيب المسجد ذاته في إحدى الجمع منكراً على كثير من تجار المسلمين غشهم في تجارتهم ببيع الأشياء المنتهية الصلاحية بتغيير تاريخ المنتج، وطالب المصلين بتقديم النصح لهم، وإن لم يرتدعوا فعليهم أمانة إبلاغ السلطات البريطانية لاتخاذ اللازم. وها أنذا اليوم ومن أمام المسجد نفسه، وبعد خطبة الخطيب نفسه، أتعرض لعملية غش تجاري ..!

فكرت لحظات ثم قررت أن أقوم بكتابة شكوى وتوصيلها إلى الخطيب لتنبيه المصلين والقائمين على المشروع، وبالفعل ترجمت فكرتي إلى واقع عملي، وهكذا قبيل لحظات من صعود الخطيب المنبر في الجمعة التالية أوصلت له الشكوى مكتوبة في ورقة صغيرة، وكنت أتوقع سماع الملاحظة أو لفت نظر المصلين خلال أو بعد الخطبة، لكن شيئاً من هذا لم يحدث، فحزنت وحز في خاطري ولم أراجع، بل قلت: اللهم هل بلغت .. اللهم فاشهد.

ومضت أيام الأسبوع سريعة كعادتها وأتى يوم الجمعة، وبعد الصلاة مباشرة، سرعان ما وقف الخطيب وارتفع صوته وقال: «وصلتني الأسبوع الماضي ملاحظة تفيد بانتهاء صلاحية زيت الزيتون الذي يباع خارج المسجد، وقد سألنا القائمين على المشروع فكان جوابهم أن الزيت ليس له تاريخ صلاحية، حاله كحال العسل، وتم التأكد من هذا الموضوع بسؤال أهل الاختصاص أيضاً». انتهت الحكاية.

العبرة من هذه الحكاية، هي حرص خطيب المسجد على فهم الموضوع من جميع جوانبه، لقد تصرف كقيادي مسؤول. فقد قرأ الشكوى، ثم سأل المشتكى عليه عن صحة الشكوى، ولم يتوقف بل سأل أهل الاختصاص أيضاً حتى يصدر حكماً مستوفي الشروط. في كتابه «قواعد وأدوات للقادة»، يصف الجنرال بيري سميث هذا الأسلوب بـ «التواصل الخلاق»، بمعنى أن القائد لا بد أن يكون قادراً على التواصل بجميع حواسه بامتياز، يستمع أكثر مما يتكلم، والأهم أن يستمع للجميع.

المصدر: صحيفة الرؤية