تخصصت زينب بدوي في فلسفة الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة أكسفورد، وهي دراسة تميز النخبة وصناع القرار في بريطانيا كمارغريت ثاتشر وغيرها من الساسة، ثم درست بأكسفورد اللغة الفرنسية واللغة الروسية، ثم حصلت على الماجستير من جامعة لندن، وأثناء ذلك كانت زينب بدوي تعمل بصحافة الأحياء وبدأت تتعاون مع التلفزيون التجاري وانتهى بها المطاف محررة ومذيعة محترفة في تلفزيون «بي بي سي» في مجال الأخبار وإجراء مقابلات في برنامج «هارد توك» أو «كلام قاس». وتجربة الإعلامية البريطانية السودانية الأصل زينب بدوي تعد من قصص النجاح التي تروى في الإعلام التلفزيوني البريطاني الحديث، فعقب تخرجها عملت في وظيفة باحثة، ومقدمة برامج في تلفزيون يوركشير، في الفترة من 1982 وحتى عام 1986، وبعد فترة وجيزة، انضمت إلى فريق القناة الرابعة عام 1988، وقدمت في تلك الفترة برامج تلفزيونية متنوعة، حتى انضمت إلى تلفزيون البي بي سي في 1998 وشهدت مسيرتها منذ ذلك العام، تألقا لافتا حيث قدمت، برامج سياسية حية من ويستمنستر، هذا فضلا عن برامج، العالم هذا المساء في الراديو، وأخبار العالم اليوم، وأخبار الساعة. ومن ثم قدمت برنامجها الأشهر «هارد توك» الذي استضافت فيه الكثير من الشخصيات العالمية، ورؤساء الدول والحكومات، والكثير من المشاهير والشخصيات العامة، في جميع مناحي النشاط البشري والإبداع الإنساني.
وعلى مائدة الحوار أجرت زينب بدوي حوارات متميزة مع الدالاي لاما الزعيم الروحي المقدس لشعب التبت وتوني بلير وبي نظير بوتو وبيل كلينتون وبيل غيتس، وعلى مستوى الرموز الوطنية السودانية حاورت نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه والراحل جون قرنق. وقالت في حوارها بلغة إنجليزية معتقة، عبر رحلة تميزت بالتألق والنجاح حتى توجت بجائزة الشخصية الإعلامية الأولي لعام 2009 مع «الشرق الأوسط» إنها تقدمت بطلب لإجراء حوارين مهمين أولهما مع الرئيس السوري بشار الأسد، وثانيهما مع المشير عبد الفتاح السيسي المرشح الرئاسي المصري، ولكنها ما زالت في الانتظار، وأوضحت أن لقاء الأسد لا يقلقها على الإطلاق، لأنه سيكون مسؤولا عن أقواله وأفعاله، مؤكدة أن كثيرا قد لا يعرفون أن أرض السودان مليئة بالأهرامات، ومهمتها في هذه الحياة كما تعلمت في مجال الإعلام أن تقلب الهرم رأسا على عقب من أجل البحث عن الحقيقة. تقول زينب بدوي عن والدها محمد خير البدوي «والدي مهتم بالتاريخ المعاصر للوطن السودان، وقد كتب عن تاريخ الجيش الحديث في السودان»، وتقول إن أطفالها الأربعة يوسف وهناء وصفية وزكريا مبسوطون لأنهم تعرفوا على جذورهم وأحبوا السودان، وهي رغم أنها جاءت إلى بريطانيا في الثالثة من العمر، فإنها فخورة بجذورها العربية والأفريقية.
* كيف بدأت حياتك المهنية كصحافية؟
– لم يكن الأمر صعبا على الإطلاق، ولم أدرس الصحافة من قبل، ولكني التحقت بجامعة أكسفورد البريطانية حيث درست العلوم السياسية والفلسفة، وأثناء دراستي الجامعية التحقت بجمعية أكسفورد للإذاعة، وتدربت على الإلقاء الإذاعي، وكانت لي تجارب في هذا المجال، ثم تخرجت من أكسفورد، وبعدها التحقت بالدراسات العليا بجامعة لندن لعام آخر، ثم التحقت كمتدربة بتلفزيون «اي تي في»، وحصلت على منحة تدريب، وخلالها حصلت على التدريب الكافي، ولم يكن في هذه الأيام برامج إعلامية خاصة، أو كورسات للراغبين في الميديا، كما يحدث هذه الأيام، لكن محطة «اي تي في» أرسلتني إلى كلية الإذاعة الوطنية، لأحصل على مزيد من التدريب، وكان مقرها حي سوهو اللندني، وهذه الكلية ليست موجودة الآن.
*هل أصبحت عند لحظة معينة على يقين بأنك اخترت الوظيفة الصائبة؟
– التحقت بالعمل في التلفزيون في الثمانينات، وأول عمل أتذكره قدمت برنامجا اقتصاديا، وكان عبارة عن سؤال اقتصادي، وكان يدور حول 20 نصف ساعة تلخص الحالة الاقتصادية، واستمتعت كثيرا بهذا البرنامج، وهو أشبه ببرنامج تعليمي للمشاهدين، وفي منتصف الثمانينات حدثت المجاعة في إثيوبيا، وأثرت تلك المجاعة على السودان، وذهبت إلى موطني الأول، حيث عملت هناك، كباحثة لصالح مسلسل تلفزيوني، يقدم نصائح عن سياسة الطعام، وخلال هذه الفترة كنت على يقين أنني في المسار الصحيح من جهة اختيار المهنة المناسب.
* ماذا تعلمت من والديك؟
– كان والدي بمثابة الإلهام الأكبر بالنسبة لي، لقد جئت إلى بريطانيا قبل أن أبلغ الثالثة من العمر، وأخذت منهما الاهتمام بالشؤون الدولية، فهما من السودان، وطبيعي كانا يهتمان بكل ما يدور حولهما من أحداث في الشرق الأوسط والعالم وخصوصا أفريقيا، تعلمت منهما أن العالم الذي نعيش فيه أكبر كثيرا من لندن ومن المملكة المتحدة، وهناك كثير من الأشياء تعلمتها آنذاك من والدي المذيع في «بي بي سي – العربية» من خلال الاقتراب منه في الحياة اليومية، وفي عقلي الباطن هناك الكثير من الأشياء الجميلة التي تعلمتها من والدي.
* لماذا اخترت العمل في المجال الإعلامي؟
– قبل ظهور مواقع الاتصال الاجتماعي، كان للتلفزيون دور مؤثر للغاية في الحياة اليومية، وحتى الآن، ما زال النافذة الأهم على مجريات ما يحدث في العالم، أحببت الإعلام وبصفة خاصة التلفزيون لما له من دور مهم، في تعليم الآخرين، ولم أكن يوما في مجال المنوعات والترفيه في المجال التلفزيوني، بل كنت في مجال إبلاغ وإفهام الناس من خلال البرامج عما يدور في العالم الآخر، والتلفزيون له دور حيوي وضروري بالنسبة للناس الذين يعيشون في بلدان متعددة الثقافات مثل بريطانيا، من حيث تأثير التنوع العرقي في تعاملهم مع الآخر من جهة تأثير القضايا الاجتماعية والثقافية والتعليمية.
*ما أول قصة تعاملت معها في الإعلام؟
– عندما كنت أعمل في الأخبار المحلية في بداية حياتي، ربما كانت حريقا في منزل ما أو قطة تعلقت في شجرة.
* هل واجهت أي مشكلات في عملك باعتبارك مسلمة؟
– لم أواجه مشكلات، ولكن بعد هجمات سبتمبر، ظهر مصطلح «إسلاموفوبيا»، في الإعلام، وبعد أحداث سبتمبر، مثل ظهور جماعات متطرفة إساءة إلى الإسلام، وهذه لم تساعد المسلمين في هذا البلد، ولكن هذه الجماعات المتطرفة ليس لها علاقة بالإسلام، ولكن هناك اليوم في الإعلام من يعتقد أن أعمال المتطرفين لها علاقة بالإسلام.
* ما أكثر الأحداث أو المناطق التي تفضلين أن تغطي أخبارها ولماذا؟
– حسنا، لم أغط الكثير من أخبار الشرق الأوسط كما كنت أود، نظرا لأني أتحدث العربية بما يسمح لي بالتواصل مع الناس وأعتقد أن هذا يمنحني ميزة تفضيلية كصحافية عندما أستطيع التحدث مع الناس المتأثرين بأحداث كبرى بلغتهم، مثل اللاجئين السوريين. لذلك أعتقد أني يجب أن أهتم بذلك أكثر مما كنت أفعل. لا أتحدث العربية على المستوى الرسمي، لذلك لا أستطيع أن أعمل باللغة العربية، فلا يمكنني العمل في خدمة «بي بي سي – العربية»، ولا أستطيع أن أقرأ أو أكتب بالعربية، ولكني أستطيع التحدث بها بطلاقة. كما أن لدي أربعة أبناء لذلك يعتمد عملي على الوجود في الأستوديو أكثر مما كان في الماضي، لأنني لا أستطيع أن أقضي فترات طويلة في سوريا أو في أي مكان آخر، وهكذا دائما ما يكون هناك تضحية في الحياة.
* قام الرئيس البشير في السابق بدعوة شخصيات إعلامية بارزة، كنت واحدة منها، لحضور مؤتمر عن الإعلام السوداني في الخرطوم. ماذا كان يريد الرئيس؟
– كان ذلك في العام الماضي، ولم أذهب. لا يوجد شيء اسمه أبيض وأسود، وأعتقد أن حرية الرأي والتعبير مهمة للغاية؛ فهي حجر الزاوية في الديمقراطية. من المهم أن نملكها. ولكني أعتقد أن هناك بعض الحيوية في وسائل الإعلام السودانية حيث يمكن أن تجد صحفا توجه بعض الانتقادات لما يحدث ولكن من الواضح أن هناك حدودا لتلك الانتقادات. لا أرى أنه يجب أن توضع قيود على حرية الرأي والتعبير، وهو ما كان أبي بصفته صحافيا سودانيا يعكسه بالتأكيد. أما بالنسبة لما أرادت الحكومة الخروج به من المؤتمر، فليست لدي فكرة. من الأصعب كبح حرية التعبير في عصر وسائل التواصل الاجتماعي. في الماضي، قبل تويتر وفيسبوك، كان من الأسهل كثيرا على الحكومات السعي إلى حجب المعلومات، ولكن الآن إذا حدث شيء ما، فالجميع يملكون هواتف جوالة، ويمكنهم التقاط الصور وإرسال رسائل نصية إلى أشخاص في دولة أجنبية، لذا أصبحت الرقابة أصعب كثيرا. وأعتقد أن الثورة التكنولوجية والتواصل الاجتماعي لهما تأثير كبير على حرية تدفق المعلومات. إلا إذا كنت مثل الحكومة الصينية أو غيرها وتستغرق وقتا كبيرا في التشويش على مواقع على شبكة الإنترنت، فليس من السهل على أي حكومة أن تنجح في محاولة القمع. إذا وقعت أحداث عنف في مكان ما ثم التقط شخص ما صورة لها فسوف تنتشر في كل مكان. لهذا أعتقد أن الثورة التكنولوجية في وسائل التواصل الاجتماعي غيرت من صورة الساحة الإعلامية؛ وليس فقط بسبب التكنولوجيا ذاتها، ولكن أصبح الجميع صحافيين الآن. وأصبح لدينا المواطن الصحافي.
* عملت في «اي تي في» والقناة الرابعة، ثم في «بي بي سي». فما السبب وراء الانتقال من قناة إلى أخرى؟ وما قناتك المفضلة؟ وما الاختلافات الرئيسة بين القنوات المختلفة؟
– أعتقد أن هناك اختلافا كبيرا بين العمل في «اي تي في» والـ«بي بي سي»، نظرا لأن «بي بي سي» مؤسسة كبيرة. إنها أكبر مؤسسة إخبارية وإذاعية في العالم. وبها أكبر عدد من المراسلين بما يفوق أي مكان آخر. كما أن هناك الكثير من المكونات في الـ«بي بي سي»: التلفزيون والإذاعة والإنترنت. وأعتقد أنه فيما يتعلق بتنوع العمل لا أحد يمكنه التفوق على الشبكة. أما «اي تي في» فهي أصغر كثيرا، بل وأصبحت أصغر مما كانت عليه عندما كنت أعمل بها. يمكن العمل في قسم الأفلام الوثائقية أو قسم الأخبار، ولكنهما أصغر بكثير. لذلك «بي بي سي» مختلفة، لأن بها تنوعا. أما بخصوص ما يمكن فعله أو قوله، لا أعتقد أن هناك أي اختلاف، وبالنسبة لحقيقة أن «بي بي سي» تحصل على تمويلها في الأساس من دافعي الضرائب البريطانيين، فلا أعتقد أن ذلك يحدث أي فارق.
* هل وجدت أي صعوبة في العمل في الإعلام البريطاني كسودانية؟
– أفتخر بشدة لكوني سودانية وعربية وأفريقية، ولكن هذا سؤال تصعب علي إجابته، لأنني رغم مولدي بالسودان، فإنني جئت إلى لندن وكان عمري أقل من ثلاثة أعوام، لذلك أقول إن لدي هوية مزدوجة، وأشعر بارتياح شديد في السودان، ولكني أشعر بارتياح شديد كذلك في إنجلترا. ولا أستطيع أن أقول إنني سودانية نموذجية تعيش في إنجلترا، لأني عندما جئت كنت صغيرة للغاية، فلا أستطيع أن أقول إني أشعر بالغربة. وفيما يتعلق بأمور مثل العنصرية أو معاداة الإسلام لا أستطيع أن أقول إن هناك أشياء تحدث ولا يعني ذلك أنها لا تحدث. بل أقصد أنني لم أمر بشيء من هذا شخصيا. ولا يمكن أن أقول إنني وجدت صعوبة في الحياة هنا بسبب كوني سودانية أو لي أصول سودانية. أقيم هنا منذ فترة طويلة وكنت في جامعة أكسفورد، وحصلت على الماجستير من جامعة لندن، ربما يكون هذا ما ساعدني بعض الشيء.
* لا يعرف عدد كبير من العرب الكثير عن برنامج «هارد توك»، هل يمكن أن تحدثي القارئ عن البرنامج؟
– الفكرة وراء برنامج «هارد توك» هو التعليم والمعرفة، ولكنه أيضا يخضع المسؤولين في مناصب السلطة للمساءلة وهذا هو الدور الذي يقوم به البرنامج. فهو يسمح لك بمناقشة مواضيع طويلة مع أشخاص في مناصب السلطة وأن تحاسبهم على أي شيء يفعلونه، سياسات أو انتهاكات حقوق إنسان، هذا هو الهدف. الفكرة في أنه حديث صارم وصعب حول ما يفعلونه، ولكنه ليس فظا.
* كم عدد مشاهدي برنامج «هارد توك» تقريبا؟
– يمكن أن أقول ملايين وملايين لأنه يذاع عدة مرات على مدار اليوم، حيث يعرض أربع أو خمس مرات في جميع أنحاء العالم. وتحظى قناة «بي بي سي الدولية» بمشاهدات تصل إلى 30 مليون منزل حول العالم، لذلك ستقدر نسبة مشاهدة أي برنامج بعشرات الملايين.
* هل لاحظت أي تحيز في وسائل الإعلام الغربية ضد أخبار الشرق الأوسط أو المنطقة؟
– في الوقت الحالي يوجد كثير من وسائل الإعلام، ولا يمكنك أن تحدد أي وسائل إعلام. إذا كنت تقصد شبكة «بي بي سي»، فهناك قناة «بي بي سي العربية»، وإذاعة «بي بي سي العربية»، هناك الكثير. وإذا كنت تتحدث عن الإعلام المحلي، «بي بي سي 1» و«بي بي سي 2»، فأعتقد أن أكبر الشكاوى هي عدم إذاعة ما يكفي من الأخبار من الشرق الأوسط. ولكن تتم تغطية أخبار كل منطقة في العالم عندما تقع بها مشكلات، وليس فقط الشرق الأوسط. هذا بخصوص الأخبار، والمشكلات والتحديات هي التي تجعل الأخبار مهمة، بمعنى أن الأخبار بطبيعتها تجبرنا على رؤية الأشياء من منظور المشكلة. وعلى مدار الأعوام، إذا كان هناك صراع في الشرق الأوسط أو ما يجري الآن من أحداث الربيع العربي، قد يُكَوِّن الناس انطباعا بأنه لا يوجد في الشرق الأوسط سوى العنف، لذا أقول إن مثل ذلك يعد تحيزا، نظرا لأن طبيعة الأخبار تركز على المشكلة، وليس لأن شخصا ما يقول «نحن لا نحب الشرق الأوسط ونعتقد أن العالم العربي يتسم بالعنف». تتم تغطية الأخبار بالطريقة ذاتها في كل مكان. عندما خسر ديفيد كاميرون في التصويت على اللجوء إلى إجراء عسكري في سوريا في مجلس العموم، كان رد الفعل على «بي بي سي» وكأن «ديفيد كاميرون فقد السيطرة على سياسته الخارجية»، هذا الأسلوب في تناول الأخبار يتبع أيا كان الموضوع، فالجميع يتعرض للطريقة ذاتها.
* وماذا عن تغطية أخبار إسرائيل؟ هل تتفقين على أنها متحيزة، سواء كنا نتحدث عن الدفاع عن إسرائيل في الغرب أو الدفاع عن فلسطين في العالم العربي؟
– لا أعرف. لم أشاهد ما يكفي لكي أقول إن هناك تحيزا مع الإسرائيليين أو ضد الفلسطينيين. ولن أقول إن هناك أي تحيز ضد الفلسطينيين على الإطلاق في الإعلام البريطاني. أعتقد أنه إذا كان هناك انتقاد فهو أن القادة العرب والفلسطينيين لا يجعلون من السهل دائما التواصل معهم كما هو مفترض. في بعض الأحيان يكون من الصعب للغاية أن تصل إلى ضيف عربي. في بعض الأحيان يكون من الأسهل الحديث مع مسؤول إسرائيلي، ولكن ليس من السهل أن تصل إلى وزير خارجية مصري أو سوري على سبيل المثال. كان نبيل فهمي هنا منذ أسبوعين ولكنه اعتذر في اللحظة الأخيرة لأنه ليس لديه وقت. يجب أن ينتبه الفلسطينيون والعرب عامة إلى حقيقة وجوب تيسير الوصول إلى المسؤولين. اسمحوا لي أن أجري حوارا في برنامج «هارد توك» مع عبد الفتاح السيسي، مثلا. ينبغي عليك أن ترى ذلك من منظور من يجعل وقته متاحا. هذه إحدى الشكاوى التي لدي تجاه السياسيين العرب.
* هل تقدمت بطلب لإجراء حوار مع المشير السيسي المرشح الرئاسي المصري؟
– سألت السفير المصري، وقلت له إنني مستعدة للسفر إلى مصر وإجراء حوار معه في برنامجي، ولكني لم أتلق ردا. طلبت ذلك منذ ثلاثة أشهر ولم أتلق إجابة. لذا إذا كان العرب يشكون من وجود تحيز، أقول لهم اجعلوا من السهل التواصل معكم بالإنجليزية، لأنها هي ما نستخدم في الغالب للأسف، ومعظم الساسة العرب يتحدثون الإنجليزية جيدا جدا. فلييسروا عملية الوصول إليهم لإجراء حوارات باللغة الإنجليزية، وسوف ننقل رؤيتكم بسهولة وفاعلية. لا أعتقد أن هناك أي تحيز ضد الفلسطينيين. وأرى أن الربيع العربي أعاد القضية الفلسطينية قليلا إلى الوراء لأن الناس لم تعد مهتمة بها كما كانوا نظرا للأحداث الكبرى التي تقع في مناطق أخرى.
* من الشخصيات التي تتمنين أن تجري حوارات معها، إلى جانب السيسي؟
– بشار الأسد. سيكون هذا رائعا. نادرا ما نستمع إلى حوار مع بشار الأسد، ولكن (مستشارته الإعلامية) بثينة شعبان هي التي تتحدث طوال الوقت. لم نصل إليه مطلقا. بل أي من الشخصيات العربية البارزة، الأردنيون مثلا يتحدثون معنا. ولكن إذا فكرت في القضايا التي تعرض في الأخبار في الوقت الراهن فستجد معظمها عن مصر وسوريا. أما بالنسبة للفلسطينيين، فلا يسمح محمود عباس بكثير من وقته. وقد أجريت حوارا مع حنان عشراوي، وهي رائعة تفسح لنا من وقتها. لذلك أعتقد أنه من المهم الوصول إلى متحدثين رفيعي المستوى جيدين. وهذه هي رسالتي، أن العرب يجب أن يستخدموا الإعلام الدولي بصورة أكبر، وخاصة قناة مثل «بي بي سي الدولية»، لأنها تحظى بعدد كبير من المشاهدين.
* إذا وجدت نفسك جالسة أمام بشار الأسد، هل ستشعرين بالارتياح بعد كل ما فعله؟
– نعم.. لم لا؟ أنت تعرضه للمساءلة. نعم بالطبع سأكون مرتاحة. دور الإعلام هو محاسبة الناس. لقد حاورت أشخاصا يحاكمون أمام الجنائية الدولية الآن. جان بيير بيمبا الذي كان نائبا لرئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، أجريت معه لقاء في «هارد توك»، وذلك هو دور الإعلام، محاورة الناس حتى وإن كانت أياديهم ملطخة بالدماء.
* من الصحافي المفضل لديك، على المستوى المحلي أو العالمي، إلى جانب والدك بالطبع؟
– هذا سؤال صعب. لا يمكنني أن أقول إن شخصا واحدا كان مصدر إلهام لي، ولكن أكثر الصحافيين الذين يحظون بإعجابي هم هؤلاء الموجودون في المعتقلات الآن، فقط لأنهم أرادوا الكلام من دون خوف. هناك الكثير منهم حول العالم وهم أكبر مصدر إلهام لي، لأننا نجد حرية التعبير أمرا مسلما به في الدول الغربية، ولكنها ليست حقا مكفولا للجميع. يجب أن نتذكر هؤلاء الذين يفعلون ما نفعله أنت وأنا ولكنهم يسددون ثمنا باهظا في مقابل ذلك.
* كم عدد الساعات التي تقضينها في العمل أسبوعيا؟
– أنا أجتهد في العمل وأعمل كثيرا، ويجب أن أحرص على تحقيق توازن جيد. من الصعب أن أحدد ولكن أستطيع أن أقول إني أعمل لمدة 40 ساعة أسبوعيا على الأقل، تصل إلى 50 في بعض الأحيان. وإذا كنت في سفر يزيد الوقت. على سبيل المثال، أنا عائدة للتو من جنوب أفريقيا بعد أن قمت بتغطية الانتخابات لـ«بي بي سي».
* ما رأيك في النقاش حول الإعلام المطبوع والإلكتروني؟ هل تعتقدين أن الأنماط الجديدة من الإعلام سوف تضع نهاية لأشكاله القديمة؟
– أرى أن الثورة التكنولوجية في مجال الإعلام تحمل الأهمية ذاتها مثل ظهور الطباعة في أوروبا في القرن الخامس عشر. قبل ذلك لم يكن في استطاعتك الحصول على كتاب، ولكن في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، تمكن الجميع من الحصول على الكتب. ونحن نعلم مدى تأثير ثورة مواقع التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الإعلام والصحافة المطبوعة على وجه التحديد. لقد شهدنا كثيرا من الصحف، والصحف المحلية خاصة، تختفي تماما؛ اختفت المئات منها في بريطانيا وحدها. وأصبحت مبيعات الصحف أقل بكثير وانخفضت إيرادات الإعلانات. وبدأت تلك الإيرادات تتجه إلى مجالات أخرى، ليس فقط التلفزيون والإذاعة، بل الإنترنت أيضا. لذلك أعتقد أنه من المؤكد أن شبكة الإنترنت لها تأثير كبير على الإعلام التقليدي، بعد أن انهارت واختفت أسماء كبرى. فهل سيستمر هذا الاتجاه؟ ربما. هل ستظل هناك صحف في المحلات نشتريها ونقرأها؟ ربما، ولكن بنسبة أقل. لست متأكدة إن كانت ستظل بعد عشرين أو ثلاثين عاما. ولكني ما زلت أفضل أن أمسك بالجريدة وأقرأها. عندما أنظر إلى أبنائي في سن المراهقة، أراهم يطّلعون على الأخبار عبر مصادر أخرى. عندما توفي مايكل جاكسون، أخبرني أبنائي بالحدث نقلا عن تويتر. وعندما يحدث شيء ما، أقول «هل رأيت ذلك؟» فيجيبون: «نعم رأيناه على فيسبوك أو تويتر». وهكذا أجد اختلافا كبيرا في الوسيلة التي يعرفون بها الأخبار. إنهم يقرأون الصحف عن طريق الإنترنت، لهذا تكيفت كثير من الصحف مع الأمر مثل «غارديان» و«ديلي ميل». وأرى أنهما أشهر صحيفتين على الإنترنت. يوضح لك ذلك أنه إذا اتخذت الصحف مواقع التواصل الاجتماعي تهديدا لها سيتسبب في نهايتها، فسوف تكون بالفعل. ولكن إذا استخدمتها لصالحها وتماشت مع الوقت الحاضر، فقد أظهرت كل من «ديلي ميل» و«غارديان» أن تلك التكنولوجيا لم تضع نهاية اسميهما.
* ما المدونة أو الموقع الإخباري المفضل لديك؟
– أقوم بتشغيل قناة «بي بي سي الدولية» لمعرفة الأخبار التي تغطيها بالطبع. وأحب قراءة الصحف، أقرأ أي صحيفة أجدها. أحب قراءة «فاينانشيال تايمز»، وأجد فيها رؤية عالمية جيدة جدا، كما أن كثيرا مما يحدث في العالم له قاعدة اقتصادية. كما تعجبني «وول ستريت جورنال». فأنا أفضل تلك النوعية الجيدة من الصحف، ولذلك أميل إلى قراءة الصحف عندما أكون في الخارج، أو أطلع على موقع «فاينانشيال تايمز».
* ما النصيحة التي تقدمينها للصحافيين الشباب الذين يوشكون على البدء في العمل في الصحافة؟
– عندما بدأت في العمل الصحافي، كان ذلك منذ فترة بعيدة، والساحة الإعلامية مختلفة تماما في الوقت الحالي. يوجد حاليا الكثير للغاية من وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي تقدم مجالا مفتوحا بالفعل. لا أجيد التعامل عبر وسائل التواصل الاجتماعي: لا أرسل تدوينات على تويتر، ولا أستخدم فيسبوك أو أيا من تلك المواقع. أنا قديمة الطراز بعض الشيء، لذلك لا أفضل أن أقدم نصيحة مهنية محددة لأي شخص سوى أن أقول: إن العمل بالصحافة يستوجب أن يحافظوا على فضولهم واهتمامهم بالآخرين واعتنائهم بمن لا يملكون القدرة على الحديث مع من في السلطة. أعتقد أن دور الصحافي في محاسبة المسؤولين ذو أهمية بالغة. لقد ولدت في السودان حيث توجد طبيعة هرمية. على رأس الهرم، يوجد عدد محدود من الناس، وعند القاعدة يقع مليارات البشر، من جانبي أفضل أن أقلب الهرم رأسا على عقب وأضع الناس الموجودين في القاعدة على القمة. وبصفتي صحافية، دائما ما أقلب الهرم وأسعى إلى مساعدة من لا يمكنهم الوصول إلى أصحاب السلطة على نقل أوضاعهم إلى هؤلاء المسؤولين. لذا أقول للصحافيين الشباب، لا تنسوا هذا الدور الذي يؤديه الإعلام فهو من أدوات التنمية والديمقراطية.
* ما الصفات التي تعتقدين أنها يجب أن تتوفر في الصحافي الناجح؟
– الفضول مهم للغاية، والرغبة في إحداث التغيير حتى وإن كان صغيرا. تلك الأشياء مهمة للغاية. توجد مقولة ليان إلياسون الدبلوماسي السويدي رفيع المستوى الذي أصبح الآن نائب الأمين العام للأمم المتحدة، وأتفق معه فيها، ذكر فيها أن الشغف والتعاطف أهم الأشياء لأنه بالتعاطف يمكنك أن تعرف ما هو الصواب، وإذا كان لديك شغف ستفعل الصواب وتحوله إلى حقيقة.
* هل ساعدك التحدث باللغة العربية في حياتك المهنية؟
– نعم بالتأكيد. كنت في الخليل ورام الله منذ 18 شهرا، وأجريت لقاءات باللغة العربية. تحدثت مع بعض الطلاب والسيدات وغيرهم، وكانوا معجبين بذلك وحصلت على أفضل الحوارات. هذا مهم للغاية لأنه يعني أن الشخص الذي أحاوره يعرف أني عربية ومسلمة لذلك يتعامل معي بارتياح أكبر، وبالتالي يتحدث بصراحة أكبر وأحصل على مزيد من المعلومات. إنها ميزة هائلة.
المصدر: لندن- محمد الشافعي – الشرق الأوسط