كاتبة و أكاديمية سعودية
أكتب مقالي هذا من الولايات المتحدة الأميركية، قبل بضع ساعات فقط من الوقت المتوقع لمرور إعصار ساندي بمدينتي قادما من الجنوب في طريقه للشمال. ساندي – ولا يغركم الاسم الأنثوي الناعم – هو إعصار عنيف ومن المتوقع أن يكون مصحوبا برياح عاتية تنذر بفيضانات على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. ووفقا لبي بي سي العربية فإنه رغم أن الرياح المصاحبة للإعصار ليست كبيرة مقارنة ببقية الأعاصير إلا أن اتساع نطاقها يجعل منها استثنائية، حيث تمتد الرياح على اتساع 165 كيلو مترا من مركز الإعصار. كما يهدد إعصار ساندي باجتياح الثلث الشرقي من البلاد بأمطار غزيرة ورياح عاتية وانقطاع الكهرباء، ومن المتوقع أن يرتفع منسوب مياه الأمطار إلى 30 سنتيمترا بالإضافة إلى سقوط ثلوج كثيفة في بعض المناطق. ولأن ساندي آتٍ لا محالة، ولأننا لا نستطيع إيقاف تقلبات الطبيعة مهما بلغنا من تطور ومدنية، فإن الخيار الوحيد المتبقي لنا هو الاستعداد لمواجهتها، فكيف كان الاستعداد الأميركي؟
تعد المناطق الواقعة بين مدينتي نيويورك ونيوجيرسي الأكثر عرضة لهذه الزائرة غير المرغوب بها، وعليه فقد تم إجراء إجلاء إجباري لنحو 375 ألف شخص من منازلهم قبل يوم الاثنين التاسع والعشرين من أكتوبر الجاري، وإيقاف المواصلات العامة في تلك المناطق. وبالرغم أنه لا يتوقع بأن تكون مدينتنا في قلب الإعصار، إلا أن مجرد مروره بها في طريقه، واحتمالية أن يتسبب ذلك بأضرار للممتلكات أو الأشخاص جعل المسؤولين هنا يرفعون درجة الاستعدادات إلى الحد الأقصى. فقد تم توجيهنا قبل ثلاثة أيام من أجل اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمواجهته عبر كافة وسائل الإعلام. وهذه الاستعدادات تشمل تخزين ما يكفي من المواد الغذائية ليومين أو ثلاثة، وملء خزان السيارة إلى حده الأقصى، والاحتفاظ بكشافات وبطاريات وغيرها، وشراء شاحن للهاتف المحمول من النوع الذي يستخدم في السيارة، وإبعاد قطع الأثاث وغيرها من الشرفات الزجاجية. أيضا طُلب منا ألا نغادر المنزل حين تشرفنا الآنسة ساندي إلا لضرورة قصوى، وقد تم تعطيل الدراسة في بعض المدارس والجامعات إن لم يكن كلها، وأعلن المسؤولون في شبكة القطارات الأرضية (المترو) في واشنطن العاصمة أنه تم تعليق خدمات هذه القطارات ليوم الاثنين كإجراء احترازي قابل للتمديد، وكذلك تمدد إلغاء أو تأجيل العشرات من رحلات الطيران الداخلية والدولية المنطلقة أو المتجهة في المناطق الواقعة في عين الإعصار أو التي سيعبرها في طريقه، فالسلامة العامة لها الأولوية في مثل هذه الظروف الاستثنائية ولو كان على حساب الخسائر المادية التي ستتكبدها شركات الطيران والتأمين وغيرها، حتى لو كان ذلك في بلد رأسمالي مثل أميركا.
وواصلت وسائل الإعلام وفي مقدمتها قنوات وبرامج الطقس في التلفاز والراديو إعطاء تحديثات حول الأوضاع على مدار الساعة، وأسهم ذلك كله في تجهيزنا نفسيا وفعليا لتقلبات الطبيعة المرتقبة، فهناك قلق ولا شك يحيط بالوضع برمته، ولكن في الوقت نفسه كان هناك إحساس بأن ثمة من يهتم لأمرك، وبأنك مستعد لما سيجري إلى درجة كبيرة، وأن الوضع تحت السيطرة إلى حد ما. وبالتالي لا يتوقع أن تكون هناك فوضى عارمة على النحو الذي نشاهده حين تضرب الطبيعة دول العالم الثالث كما حصل في كارثة أمواج التسونامي التي ضربت عددا من جنوب شرق آسيا في 2004، أو زلازل تاهيتي في 2010، بل وحتى ما حصل في مدينة من مدن أميركا الفقيرة مثل نيو أورلينز أيام إعصار كاترينا في عام 2005 تحت إدارة حكومة جورج بوش الابن، ويبدو أن أميركا قد تعلمت من ذلك الخطأ الفادح وهو المطلوب.
يحضرني السؤال: إذا كانت الكوارث الطبيعية تضرب أنحاء متفرقة من العالم دون تمييز، فلماذا ينجح البعض في التعامل معها وفي تقليل خسائرها إلى أقصى حد ممكن، في حين يفشل في ذلك آخرون؟
إنه فن إدارة الكوارث، ذلك التخصص الغائب في جامعاتنا وعن حياتنا الخاصة والعامة بشكل أكثر عمومية، والذي لسبب ما لا نجده حتى في برامج الابتعاث التي ينبغي أن تراعي احتياجات البلاد قبل رغبات الطلاب، فقد شهدنا سابقا كوارث من عينة التدافع على جسر الجمرات في الحج، أو حريق المخيمات بمنى، أو حريق مدارس براعم الوطن في جدة. وهي كوارث ربما كان يستحيل أن نمنع وقوعها، ولكن لم يمكن من المستحيل أن تدار قبل وبعد وأثناء حصولها بكفاءة تحول دون خسارة أهم ثروات الوطن وهو الإنسان. وحين نتحدث عن إدارة وفن فلا نتحدث عن معدات متطورة ولا عن أجهزة رصد حديثة بقدر ما نتحدث عن تغيير في الذهنيات، بحيث لا تكتفي بالنظر للمصائب على أنها قضاء وقدر بل مشكلة لا بد من مواجهتها بالحلول المناسبة، عن طريق معرفة المواطن كما المسؤول بكيفية التصرف بطريقة صحيحة حين لا تكون الأمور على ما يرام، ولن يمنع ذلك مشيئة الله في القدر لكنه يؤهلنا لنقاوم – ما أمكن – الخطر.
المصدر: الوطن اون لاين