كاتب إماراتي
في جلسة جمعتنا بأحد المسؤولين عن ملف التوظيف، وأثناء مناقشة الأسباب الرئيسة لعزوف المواطنين عن الالتحاق بالوظائف في القطاع الخاص، واستقتالهم لاستنفاد كل الوسائل للعمل فقط في القطاع الحكومي، ضرب لنا مثلاً بعد أن طلب منا ذلك الطلب الغريب «هذا الأمر ليس للنشر». وبما أنكم تعرفون أنني أحب الحفاظ على وعودي للمسؤولين، وأن الصحافيين هم أفضل من يحفظ الأسرار، لذا لم نتطرق إلى الموضوع في الأسبوع الماضي!!
يقول المسؤول إن محاولة التوفيق بين الموظف المواطن والوظيفة في القطاع الخاص أشبه ما تكون بمحاولة تزويج مواطن «ولا أحسب أنه قال قبيلي» بامرأة من جنوب شرق آسيا «ولا أحسبه قال تايلاندية». الرغبات تختلف والعادات تختلف والـ«باكيج» كله لا يعتبر مثالياً بالنسبة «للمعرس»، لذا فالأمر صعب. وتشعب حديث المسؤول إلى زوايا ونقاط أخرى، يشكر عليها وتشكر الجهة المسؤولة على دعوتنا وإطلاعنا عليها.
كنت أفكر وأنا أتمعن في تشبيه المسؤول بقضية مهمة في تشبيهه المنطقي والجميل، ولكن ماذا عن «النظرة الشرعية»، فأنا وأنت وحسين بن عاقول والجميع يعرف أن الشاب من الممكن أن يغير رأيه في كل المبادئ، وجميع ما يؤمن به إذا رأى في «النظرة الشرعية» أن الطرف الآخر «صاروخ»، وهو في هذه الحالة غالباً ما يتنازل عن جميع البدلات والإجازات وحتى يكون مستعداً لدفع مهر لم يدفعه لـ«بنات الحمولة»!
إسقاطاً للموضوع على موضوعنا الرئيس تتمثل النظرة الشرعية في الوظيفة بفترة التدريب، فترة التعرف إلى المؤسسة، الفترة التي يبدأ الطالب الجامعي فيها قبل التخرج بالتسخين للولوج إلى عالم العمل الحقيقي، وهي تمثل في أغلب الجامعات فصلاً دراسياً أو مادة رئيسة ذات «ثلاث ساعات معتمدة».. وتتجلى الإشكالية الرئيسة هنا في أن أغلب الجامعات الحكومية وشبه الحكومية التي يدرس فيها الطلبة المواطنون، الذين يتم إعدادهم للوصول إلى قطاع العمل لا تقوم بتدريب طلابها إلا في الدوائر الحكومية، وهكذا فلا يبدأ الطالب بتشكيل حلمه ويضع مواصفات «الوظيفة/الزوجة»، إلا بناء على ما يراه أثناء فترات التدريب من مناخ العمل، وطبيعة الموجودين، النظم الإدارية وغيرها، بينما يبقى القطاع الخاص بالنسبة إليه عالماً غريباً ومجهولاً لا يفكر فيه ولا يسمع عنه إلا ما هو سيئ، رغم أن أحدهم لم يفكر في أن يسأل عن الميزات والرواتب الموجودة في شركة مثل «إنتل» على سبيل المثال.
إذا تم توجيه الجامعات بشكل عام بطرق باب التدريب في مؤسسات القطاع الخاص، وتم دفع طلابها إلى العمل في فترة ثلاثة أو أربعة أشهر في شركات بعيدة عن القالب الذي اعتاده طالبنا «المدلل» وتم إجبار هذه الشركات على القيام باستقبال وتدريب طلبة عدة، مقابل كل «كذا» موظف يتم استخراج تأشيراتهم، فستكون خطوة لكسر الثلج وتشجيع الطلبة على البدء في اكتشاف هذه الغابات المطيرة، خصوصاً أن الجيل الحالي لا يحمل مشكلة جيلنا في التواصل الحضاري ولا تعتبر «الكومبرهنشن» و«الفوكابلري» أسماء لأفلام رعب!
المصدر: الامارات اليوم