الدمام: علي القطان
كلما حلّ موعد شهر رمضان حلت معه ذكريات «المسحراتي» أو ما يطلق عليه في بعض أرجاء الخليج «أبو طبيلة»، وهي إحدى التقاليد الرمضانية التي عرفتها الحارة الخليجية، يقوم خلالها رجل كبير السن «غالبا»، يجوب الشوارع والأزقة الضيقة يقرع الطبل ويوقظ النائمين لتناول طعام السحور، وهو يشدو بأهازيج تراثية تمتع السامعين.
لم يعد موجودا، كما لم تعد القرية على حالها، والأزقة الملتوية تم استبدالها بطرق سريعة، وابتعدت البيوت، وصار التلفزيون يجمع الناس حتى السحور. لكن هذا التقليد يطل في الذاكرة الرمضانية كل عام. وفي بعض المدن في شرق السعودية لا زال هناك من يعيد إنتاجه ولو بصورة فلكلورية لكي ينفض عنه غبار النسيان.
اليوم، في المنطقة الشرقية وفي الأحساء، ومع تراجع عدد «المسحراتية» فإن هناك من يصر على ممارستها ليس بحثا عن الكسب المادي بل من أجل الإبقاء على هذا الموروث التراثي الذي يتهدده خطر الانقراض. ففي قرى محافظة القطيف وفي الأحساء لا يزال هناك من يمارس هذه المهنة بهدف إبراز العامل التراثي وتذكير الناس بأحد التقاليد الرمضانية.
ويقوم شباب يرتدون أزياء تراثية ويحملون الطبل بعد منتصف الليل، بتجسيد سيرة المسحراتي، وخاصة في الأحياء الشعبية، رغم درجات الحرارة المرتفعة والرطوبة العالية والتي تلامس الـ40 درجة مئوية ليلا.
يقول أحمد الشلاع أحد أشهر ممارسي مهنة المسحراتي في محافظة الأحساء وتحديدا في القرى الشرقية: «لا يمكن أن أتصور أن يمر شهر رمضان في أي عام دون أن أمارس هذه المهنة».
ويضيف: «هذه المهنة اندثرت في المدن والأحياء الجديدة ولم تعد تحتضنها سوى القرى، وأقوم بمزاولتها، خصوصا أن القرى تضم الأقارب والأهل، وتعتبر هذه المهنة من العادات الشعبية التي يحرص عليها أهالي القرى على العكس تماما من أهالي المدن».
ويجوب الشلاع الطرقات ممسكا طبلته الجلدية القديمة ويقوم بالضرب عليها في موعد السحور من كل يوم من أجل إيقاظ النائمين.
وعن المكاسب المادية من هذه المهنة، يقول المسحراتي الشلاع: «لم تعد هذه المهنة مجزية ماديا ولكن الحرص على إبقاء الموروث الشعبي أهم بالنسبة لي من المكاسب المادية التي يتم حصدها في ليلة النصف من رمضان عادة أو في ليلة العيد».
من جانبه أكد محمد بو عبد الله أحد أبرز وأقدم ممارسي هذه المهنة في محافظة القطيف أن هذه المهنة في طريقها للاندثار وأن هناك قلة ممن يحرص على استمرارها بدافع الحفاظ عليها وليس بداعي الكسب المادي الذي لم يعد مجزيا من مزاولة هذه المهنة أو الهواية.
وفي أهازيجه، يقول الشلاع: «الوداع الوداع يا شهر الصيام.. ودعوا يا كرام شهر الصيام.. فضل شهر الصيام ليس يعد.. قد تدانى رحيله فاستعدوا.. ليلة القدر فضلها لا يعد.. ودّعوا الشهر بالدعاء والقيام.. أين من صام فرضه ثم صلى.. أين من كان ليله يتملى.. أين من كان قبلنا يا أخلاء.. يعبد الله في دياجي الظلام». وتنتهي الأهزوجة بذكر فضائل الشهر، وطلب الغفران ومدح الرسول.
ولا ينتهي دور المسحراتي عند التوديع إذ إن له جولة تحمل أجواء العيد في صباحه فبعد صلاة العيد ينطلق مرة أخرى لكن هذه المرة يحمل معه بعض الأواني أو أكياسا قماشية لحفظ الطعام حيث يجمع في جولته الأخيرة أجره مما يجود به الناس من مال أو دقيق، أو سكر، أو بيض، أو غير ذلك.
وتقول المصادر التاريخية إن أول ظهور للمسحر كان في العاصمة المصرية القاهرة أيام الحاكم بأمر الله الفاطمي الذي خصص بعض جنوده للمرور على بيوت الناس في رمضان لإيقاظهم للذكر والسحور وكان الجنود في بادئ الأمر يستخدمون أساليب مزعجة لإيقاظ العامة ولكن الأسلوب تطور مع الوقت وتم ابتكار عبارات وأذكار وأناشيد مختلفة، وفي أيام المماليك أصبح التسحير مهنة لها قوانينها وأدبياتها وانتشرت المهنة في بقية مدن العالم الإسلامي.
وتعتبر ظاهرة المسحراتي من العادات المترسخة في الثقافة الإسلامية وأصبح ظهور المسحراتي مرتبطا بظهور هلال رمضان وأصبح التسحير مهنة يتوارثها الأبناء عن آبائهم كما أن المسحراتي اتخذ في بعض المدن زيا خاصا.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط