يدون ويغرد في مجالات الآداب والسياسة والاجتماع. صدر له رواية بعنوان ( سور جدة ) وكتاب ساخر ( كنتُ مثقفاً ).
خلال السنوات الخمس الأخيرة كثير من التابوهات سقطت، وأصبح الحديث عنها لا يعني الشجاعة، أي صحفي أو مهتم بالشأن العام يعرف من هو الكاتب الجريء أو صاحب الفكرة الجديدة من غيره، ويراقب ارتفاع سقف الرقابة وتغيراته، يبقى مقالي هذا هو رأيي المتواضع المبني على تفكيري وقراءتي وليس حقيقة دامغة مستمرة، هذا رأيي الشخصي قد يتفق معه البعض وقد لا يوافقه أحد سواي، وللتذكير فإن انتقادي لهما هو دليل أنهما يعملان، فمن لا يعمل ولا يتحرك لا يُنتقد.
نستطيع أن نضع حراك الدكتور عبدالعزيز الدخيل والدكتور محمد القنيبط في قالب سواليف المتقاعدين، سواليف المتقاعدين تتصف بميزتين، السوداوية والانتقاد المستمر، وهي ميزات رائجة في أغلب المجتمعات وتجعل من الأشخاص العاديين أكثر شعبية وقد يبدون أكثر عمقا من غيرهم.
*****
نبدأ بالقنيبط، الدكتور القنيبط في آخر مقالاته في صحيفة الحياة بعنوان “أبو أحمد وشيء لم يقال” عن وزير التربية الراحل محمد الرشيد، فكرة المقال تقوم على هذين السؤالين: لماذا تم إعفاء محمد الرشيد ؟ وهنا يجيب القنيبط : هذا من اختصاص ولي الأمر .. ثم يسأل نفسه مرة أخرى: لماذا كان الإعفاء والوزير في مهمة رسمية في الكويت حينها مما أوقعه في موقف محرج؟ وهنا يجيب القنيبط أن الخطأ يقع عادة على سكرتير الوزير الشخصي فهو المسؤول عن إخراج خبر إعفاء الوزير. خلاصة مقال القنيبط أن البطانة المجهولة الشريرة هي السبب وليس أي شخص آخر، نترك سالفة المقال ونرسم الصورة الشعبية للقنيبط، الرجل عُرف عنه أنه يهاجم وينتقد الوزراء والمسؤولين من مدير جامعة الملك سعود سابقاً إلى وزير الزراعة إلى وزير الصحة، والقنيبط هو صاحب المقولة المشهورة عن الغمامة والرؤية، أبسط شيء في العالم هو أن تنتقد، اذهب إلى أي مجلس في أي بيت سعودي وستجد من ينتقد ولكن المميز من يتجاوز النقد إلى الإضافة الجديدة لي كمواطن وقارئ وهذا ما لم يقدمه القنيبط.
أعضاء مجلس الشورى تمتد عضويتهم في المجلس إلى 12 سنة بمجموع 3 دورات، القنيبط قبل أقل من سنة من نهاية حصته من عضوية مجلس الشورى خرج مع الهتلان في حديث الخليج لأول مرة ليتحدث عن الفساد والإصلاح والتنمية، ظل11 سنة يتمتع بمميزات عضوية مجلس الشورى ووجاهته الاجتماعية وبعد أن تأكد أن أيامه معدودة في المجلس قرر أن يبقى في دائرة الضوء بجراءة الكلمات الكبيرة على التلفزيون، ليس عيبا أن تكون موظفا حكوميا وأستاذا حكوميا تخدمنا نحن الشعب والدولة، ولكن العيب أن تضحك على الناس بشعارات كبيرة حين ندقق نجدها تتلخص في شيء واحد، أن البطانة هي دائماً السبب وأن السيد محمد القنيبط المخلص الوحيد والحل لمشاكلكم لذلك قربوني من صانع القرار مرة أخرى.
*****
الآن نلتفت إلى الدخيل، الدكتور الدخيل– وإن كان أفضل بمراحل من صاحبه أعلاه إلا أنه يُصنف في ذات الدائرة- في لقائه الأخير مع علي الظفيري في برنامج “في العمق” أعاد اكتشاف العجلة من جديد ويريد أن يبهرنا بذلك، منذ سنوات والدكتور الدخيل يطوف القنوات والصحف بشنطته التحذيرية وكأنه رسم جمجمة وعظمتين على سطحها، في الجمل القصيرة التالية أستطيع تلخيص مجمل أفكار الدخيل، أن النفط سينتهي لا محالة، يجب أن ننوع مصادر الدخل ونقلل اعتمادنا على النفط، يجب أن نُرشد الإنفاق الحكومي، يجب أن يكون لدينا دستور وبرلمان ومؤسسات مجتمع مدني، يجب أن نحارب الفساد، يجب أن تكون لدينا خطة واضحة واستراتيجية للمستقبل، صندوق للادخار للأجيال القادمة, الاهتمام بالتعليم العلمي للشباب وتمكين المرأة. انتهينا، هذه أفكار الرجل ولكنه يمغط الكلام فهي أفكار معروفة ومكررة ومُتفق عليها.
حسناً من هو الدكتور الدخيل ؟ حصل على الدكتوراه عام 1973 وعمل في الحكومة حتى وصل إلى منصب وكيل وزارة المالية وقدم استقالته عام 1979 ليتفرغ لتجارته وأعماله الخاصة، خلال أكثر من 30 سنة ظل متفرغاً لتجارته ومكاتبه الاستشارية وفجأة رفع رأسه وتحدث عن مشاكل الوزارة التي غادرها قبل 3 عقود، سبحان الله، يهدي الله من يشاء، أن يرفع الإنسان رأسه ويكتشف الخلل ويتحدث لعمري هو حدث جميل، ولكن أن تتحدث بلغة السبعينيات الميلادية فهذه حكايات متقاعدين ملوا الحياة ويريدون أن يسولفوا، الدولة تتحدث في كل ميزانية سنوية منذ عام 1970 وهي تشجع على تنويع مصادر الدخل لا أحتاج الدخيل أو غيره أن يخبرني بأهمية ذلك، كل البشرية تدعو إلى الإصلاح منذ أول حضارة سكنت بين النهرين إلى اليوم، فلا أحتاج الدخيل أو غيره أن يذكرني، كل الشعب يحارب الفساد لا أريد أن يُتعب الدخيل نفسه ليسافر إلى قطر ويقول لي ذلك، إذا تورطت وتريد أن تبدو كمفكر كرر كلمة التعليم والإنسان معاً، قل مثلاً “الإنسان هو الركيزة المهمة للوطن” أو “التعليم هو لب التنمية والنهضة”.. إلخ وهذه العبارات انشائية معروفة بالحس الطبيعي لشباب اليوم ولكن الدخيل يريدنا أن نتحلق حوله ليقولها لنا بلسانه وكأنها جواهر نفيسة.
****
البعض سيقول إنهما يقومان بنشر الوعي وإنني أنا سعيد الوهابي وإن كنت أعلم أغلب أفكارهما النيرة الإصلاحية فالآخرون لا يعلمون، الخطأ الذي يقعون فيه أنهم يظهرون في منابر نخبة “الجزيرة” مثلاً أو الصحف وبالتالي هم يعيدون تدوير المعلومات والأفكار مرة بعد مرة بين النخبة ويصنعون من انفسهم أبطال من ورق على ظهور الشباب، يظهرون بنفس لغة النخبة وبنفس عقلية النخبة ويعيدون إنتاج نفس حلطمة المتقاعدين حتى الملل… انتهى
المصدر: عكاظ اليوم