أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن دولة الإمارات العربية المتحدة بنيت على اتحاد قوي وراسخ، بتأسيس صحيح، يخلو من المركزية المعقدة التي تعيق القرار، وتعرقل عجلة الإنجازات، فتمكنت من تحقيق إنجاز جديد كل يوم، وأثبتت للعالم أن عمرها يقاس بالأيام والإنجازات المحققة وليس بمئات السنين كغيرها من الدول.
وقال سموه خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف ووسائل الإعلام الوطنية، في جناح إمارة الشارقة المشارك بمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب، إن الدولة أعطت لكل إمارة الحرية في العلاقة المطلقة مع الدول الأخرى في التجارة والثقافة والفنون وغيرها من المجالات، ولكن تنتهي هذه الحرية عند الأمور السيادية التي تمس الدولة، كالعلاقات السياسية ومركزها في وزارة الخارجية، التي تتحمل مسؤولية ليست آنية.
وأشار سموه إلى ضرورة نشر العلم والثقافة في الوطن العربي، والحرص على وجود عامل مشترك بيننا وهو القومية العربية، حتى نتمكن من حماية بعضنا بعضاً، وقال سموه أن خلاص العرب هو بتربية العقل والعلم والمعرفة والثقافة.
قال سموه: «بالنظر إلى دولة الإمارات من ناحية قياس عمر الشعوب، فهي تمضي بأقصى سرعة، بمعنى أن إيقاعها في الإنجاز سريع، فينما يقاس عمر الشعوب بمئات السنين، يقاس عمر الإمارات بالأيام، فالإمارات يومياً لديها إنجاز جديد، وهذا يترتب على تشكيل الدولة منذ البداية، فالإمارات تخلو من المركزية المعقدة التي تعطل القرار، وبتعطيله يتعطل كل شيء، فلكل إمارة من الإمارات السبع حريتها، وهذه الحرية محدودة وليست مطلقة، وهناك قانون في الدولة يقوم بالحماية ويمنع حدوث تصادم.
وأضاف سموه: «إن تشريع دولة الإمارات تم تحديده منذ البداية، فالإمارات السبع تدخل في الاتحاد بمعطياتها وقوانينها ودستورها، والاتحاد يأتي مكملاً لها، وممكن للضرورة أن يأخذ منها بعض الصلاحيات، حينما يرى أن المصلحة تتوجب ذلك، ويتضح هذا الأمر في العلاقات الخارجية للإمارة، فعندما بدأت الدولة كانت كل إمارة لها علاقتها الخارجية، وبعد الاتحاد اختلفت هذه العلاقة عما كانت عليه في السابق وحددت، فأعطت الدولة لكل إمارة الحرية في العلاقةالاوسع مع الدول الأخرى في التجارة والثقافة والفنون وغيرها من المجالات، ولكن تنتهي هذه الحرية عند الأمور التي تمس الدولة، كالعلاقات السياسية ومركزها في وزارة الخارجية، التي تتحمّل مسؤولية ليست آنية تخلق خلال المقابلات الجارية، بل هي علاقات دولية بنيت على مدى أعوام من التاريخ».
القوات المسلحة.. والدستور
وتابع سموه قائلاً: «فمثلاً بالنظر إلى القوات المسلحة، فهي تحمي الوطن وتدافع عنه، ولا يمكن أن تكشف الدولة عن أسلحتها للإمارة، بينما كانت الإمارة قبل الاتحاد تورد الأسلحة، فمع مرور الزمن اتضح الكثير من الأمور، لأن من أسس قوانين الدولة وتشريعها أنه لا يمكن المساس بالخارجية والدفاع والأمن، فهذه الأمور الثلاثة لا يمكن لغير المخوّلين التشريع فيها، وهذا ما تم تحديده منذ البداية».
ولهذا بقيت الإمارات صلبة شامخة، بينما تنهار الاتحادات الأخرى في بعض الدول، لأن الإمارات بنيت على اتحاد قوي وراسخ، وأصل التأسيس فيها صحيح، وكذلك الدستور كان مؤقتاً وكنا نحاول التجديد فيه، ولكن كان يتم التباين في كل مرة، حتى تم تكليفي بدراسته، فدرسته على مدى صيف كامل، من حيث المخارج التي يمكن أن نخرج منها المسألة، ونضيف بعض المواد بحيث لا تكون تمس أو تصطدم بجهة صلبة، وحدثت نقاشات عديدة شملت حتى نقاشات شخصية، وقدمت مشروعاً شمل ثلاثة أو أربعة تغييرات، ولكن لم نستطع، فاتفقنا أن نجعل هذا الدستور المؤقت هو الدائم، ويمكننا التغيير فيه متى أردنا.
بين الإمارة والدولة
واستطرد صاحب السمو حاكم الشارقة حديثه قائلاً: «نأتي إلى التشريع، فإن الدولة تشرّع والإمارة تنفذ، فإذا أقبلت إمارة على تنفيذ مشروع مضاد لتشريع الدولة، فهنا يجب عليها التراجع لعدم الخطأ، لأن الإمارة لا تشرّع على الدولة، بل تأخذ ما تشرّعه الدولة وتنفذه. وأحياناً نلاحظ بعض الأشخاص من الموظفين يصيبهم شطط، ويرى أنه غير قادر على التحرك، وبذلك سيتسبب في تأخير التشريع، فقلنا لهم أن يتوقفوا عن هذا العمل وأن التنفيذ ليس من اختصاصهم، فالتنفيذ محلي، وحتى الدولة لا تنفذ للسبع إمارات، وكل إمارة لها جهازها، فمثلاً في مجال التجارة وتحديداً في تشكيل الشركات، فإن الإمارة لا تشرّع قانوناً للشركات، وخصوصاً الشركات المساهمة، لما فيها من حقوق للآخرين، بينما يختلف الوضع تماماً في الشركات الفردية، فلا نهتم لشأنها حتى وإن وصلت للانهيار، ولدينا جهاز الفتوى والتشريع، وهو جهاز جيد، ويجتمع في الشهر أربع مرات، وأنا أواكب جميع تطوراتهم وأعلم قرارهم قبل أن يغادروا طاولة الاجتماع، لهذه الدرجة أنا أهتم، وتشريعهم لا يمثّل الإمارات، ولكنه يصدر بدون أي شطط، ولا يصطدم مع تشريعات وزارة العدل، وهكذا تسير الأمور لدينا باستقرار.
المشهد الثقافي
وتحدث صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي مطولاً في مشروعه الثقافي العربي، وقال: «في بداية الاتحاد كان التعليم والتجارة والزراعة والصيد والكثير من المجالات متوفرة في الدولة، ولكن مسألة الثقافة لم تكن موجودة، فوظيفة الثقافة هي الإضافة وليست منبعاً.
وعن المشهد الثقافي في الإمارات فأنا لدي مشروعي الذي أعمل عليه منذ عام 1982، وأنا ماضٍ فيه، فمن الملاحظ على إمارة الشارقة، أنه لديها كل يوم إضافة في المشهد الثقافي، وأنا أتابع بنفسي أدق التفاصيل لهذه الأحداث، لأن هذا البرنامج خاص بي، وهذا المشروع ليس مستمراً فقط في إمارة الشارقة أو في دولة الإمارات فقط، فمشروعي الثقافي هو «الثقافة العربية»، وإذا أنا أردت أن أنهض، فيلزم أن أنهض بالأم نفسها».
المشروع الثقافي موجود في مجالات كثيرة، ويمكن أن نراه مثلاً في الفنون، فابنتي الشيخة حور بنت سلطان القاسمي، تذهب إلى جمهورية مصر العربية وتستخرج لوحات قديمة منذ عام 1930، وترممها وتحفظها، واستخرجت لوحات كانت غائبة في بيوت وجمعتها كلها، وأقامت بها معرضاً، وهذا المعرض يتنقل بين العديد من دول العالم كالبرازيل والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا وغيرها من الدول، ويلف العالم باللوحات التي أتت من مصر، فمصر هي الأساس في مجالات كثيرة.
وكذلك ابنتي الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي رئيس هيئة الشارقة للاستثمار والتطوير «شروق»، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمجموعة كلمات للنشر، فبالرغم من مسؤولياتها العملية والشخصية، فإنها تسعى وتتعب، وتحاول جاهدة أن تدخل العرب في الناشرين على الرغم أن هذا يستهلك من صحتها ووقتها الكثير، وبفضل من الله نجحت في تحقيق هذا الهدف السامي، فاليوم الاتحاد الدولي للناشرين أصبح معظمه من العرب، فهذا كذلك مشروع للثقافة، وكذلك حتى زوجتي سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي رئيسة المجلس الأعلى لشؤون الأسرة ورئيسة مؤسسة نماء، ورئيسة مؤسسة القلب الكبير، في بيتي تتحمل جانب النساء والأطفال والناشئة والفتيات.
نحن لدينا هذا المشروع وهو بعيد عن السياسة والمهاترات، وهو عمل هادئ ويمكننا وصفه بأنه عمل منزلي وليس سلطوياً، فعندما يكون العمل منزلياً يكون أرحم، وهذا المشروع في دولة الإمارات ناجح وواضح أمام الأعين أن دولة الإمارات لديها حراك ثقافي.
العقل البشري
وفي شأن التعليم والنواحي الاجتماعية، قال صاحب السمو حاكم الشارقة: إن أي عمل يواجه بعض المشاكل، وأنا أقول هنا رسالة للوزراء وكل شخص يسمعني «العمل يريد استقراراً، والعمل لا يستوعب إلا بالتكرار، فأنا أعمل بكل جد وجهد في هذا المشروع الثقافي منذ عشرات السنين وحتى الآن أقول إنني لم أصل، فيجب ألا نستعجل في صنع الثقافة، فهي تراكمات يستكمل العقل البشري استيعابها، وأي عقل بشري مربى تربية على هذا المنهج، ومن المؤكد أن الوسائل الحديثة دخلت علينا في كثير من الأمور، فأنا عليّ أن أصبّ القوافي في قوالبها، ونحن في هذا المشروع نبدأ من الأم الحاملة للطفل، ولذلك يوجد في الشارقة أكبر عدد من الحضانات، وهذا إنجاز، لأن الطفل في بلدنا يتربى على يد خادمة، لا تعلم كيف يمكنها تربيته أو التعامل معه، وهذا خطأ، فنحن هنا نريد من المرأة أن تعمل، ولكي تتمكن المرأة من العمل يجب أن نساعدها، والمساعدة لها هنا تكون برعاية أطفالها، ولذلك نفذنا مشروع الحضانات، فأنا مطلوب مني 44 مليون درهم فقط للحضانات الجديدة، وهذا المبلغ فقط لتوفير سيدات يرعين أطفال المرأة العاملة، وليس للتشغيل، فالتشغيل شيء ورعاية أبناء المرأة العاملة شيء آخر.
مشروع فكري
وتحدّث سموه عن الرعاية المنزلية وأهمية إنشاء الحضانات في إمارة الشارقة، وقال:«أنا أوفر في هذه الحضانات متخصصات وممرضات لرعاية الأبناء ومنهم حديثو الولادة، فمن بين هؤلاء الأطفال رضع تبلغ أعمارهم يومين، ويتم كذلك التعاون مع الأم العاملة لتوفير الرضاعة الطبيعية لطفلها، فحتى إذا لم تسمح لها ظروف العمل بالحضور أثناء ساعات العمل لإرضاع طفلها، فتوفر لها الحضانة طرقاً بديلة لإرضاع الطفل من حليب الأم في غيابها، ولا يسمح في هذه الحضانات بتقديم الحليب الصناعي للرضع إلا في ظروف خاصة جداً.
هذا المشروع في مضمونه مشروع فكري لأنني أريد أن أربي الأطفال تربية صحية وسليمة، ولكي أقدم لهم العلم والثقافة والإيمان، يجب أن يكون هذا الطفل مستقراً اجتماعياً ولديه بيت، قبل أي شيء آخر، فنحن لدينا أكبر مشروع ونحتل مرتبة متقدمة على مستوى العالم في التصنيف من ناحية سرعة التطور».
المرأة نصف المجتمع
عن المرأة الإماراتية، قال صاحب السمو حاكم الشارقة: إذا نظرنا إلى عدد الإناث المواطنات في دولة الإمارات سنجده يشكل نسبة 49.3%، وهذا ما يعادل نصف طاقة عمل المجتمع الإماراتي، فإذا تعطل هذا الجزء فستتعطل الدولة كلها، وبالنظر إلى الجزء الذكوري سنجد أن عدداً منه سيذهب إلى الجيش وآخر إلى الشرطة، فهل سيمثل العدد المتبقي منه الطاقة الفعالة للعمل الكافي؟
هذا يؤثر في الدولة، ولذلك عندما نختار المرأة للمشاركة فهذا يعني أننا نشارك القوة العاملة في الدولة، ولذلك لدينا في قانون الخدمة المدنية في الشارقة، الحق للمرأة في التقاعد إذا طلبت ذلك، بعد إتمام 15 عاماً من خدمة في العمل، ومن الملاحظ الآن قوة دور المرأة في دولة الإمارات، فأصبح لها مقاعد في الوزارات وبأعداد لا يستهان بها.
ونحن هنا فقط ننظم لها ظروف عملها، حتى لا تشكو من إجبارها على ترك أطفالها من أجل العمل، فالآن في كل دائرة من دوائر الشارقة حضانة، تذهب الأم العاملة إلى عملها وبصحبتها طفلها، وبإمكانها أن تذهب لإرضاعه متى اقتضى الأمر ذلك، وأنا أضع الحلول بالتشريع لعمل المرأة، حتى لا تتعذر وتقصر في حق أبنائها، وقدمت لها تشريعاً في التقاعد إذا أرادت، وقدمت لها تشريعاً يمكنها من اصطحاب طفلها إلى العمل بالحضانة الموجودة فيه، فعندما نتكلم الآن عن الحضانات فليست الحضانات الموجودة في المؤسسات، ووفرنا كذلك في كل حي من أحياء الشارقة حضانة، وكذلك قمنا بزيادة مدة إجازة الوضع للمرأة العاملة، وكل هذا يدل على أنني أقدم لها الحلول بالتشريعات.
هذه قصتي مع «البعث» و«التنظيم الطليعي السري»
كشف صاحب السمو حاكم الشارقة عن مرحلة الشباب والعمل السياسي فقال: شاركت في الأحزاب، أيام الانهيار في عام 1967، فلم يكن هذا الانهيار في جمهورية مصر العربية فقط، بل كان في العالم العربي بأكمله، فكان أكبر ما يسيطر على العالم العربي في هذا الوقت هي «الوحدة العربية»، وكنا جميعنا متشاركين، ولاحظنا في هذا الوقت أن من كانوا معنا منهم من تشددوا إلى إسلاميتهم، والآخرون تشددوا إلى ليبراليتهم، وهذا أصبح شططاً في العالم العربي، وكأنه لا يوجد حام لهذا العالم.
كنت مؤيدا لفكر حزب البعث العربي في بداية تكوينه، وبدأنا نتبع الفكر المطروح في ذلك الوقت، وهو فكر نير، ولكن بعد فترة اصطدمنا، وابتعدت أنا عن هذا الحزب، وذهبت إلى جمهورية مصر العربية، وقابلت هناك الشخصية الكبيرة عبد الله الريماوي وكان في تلك الفترة «مؤتمر الجزائر للاشتراكيين» منعقداً، واجتمعت فيه القوة العربية كلها، على أساس أن يخرجوا بفكر جديد بعد حدوث الانهيار، وكتب في هذا الوقت عبد الله الريماوي موضوعاً ليس للنشر، وهو «الحركة العربية الواحدة»، وهذه الحركة تعني عدم التصادم، وذلك بقبول الإسلامي وشبه الإسلامي واليساري وجميع الاتجاهات، حتى نصبح حركة واحدة ولا نؤذي بعضنا بعضاً، حتى نستطيع النهوض ولا نتشتت.
وبعد النكسة وصدمتها الكبيرة قام الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر بالبحث عن شيء جديد، فتم تكوين «التنظيم الطليعي السري»، وهو تنظيم سياسي تابع للاتحاد الاشتراكي العربي بمصر، وبدأ هذا التنظيم من الحكومات، وكنت أنا قريباً من هذا التنظيم بحكم قربي من أحد أعضائه وهو الكاتب الصحفي محمود السعدني، وكنت أحاول أن أضيف إلى هذا التنظيم بفكر عبد الله الريماوي، وكان العمل في التنظيم قائماً على نهج عدم تخوين الناس، وحزنت أنا وقتها لعدم الموافقة على انضمامي إلى التنظيم، لأنني أرفض الفرز بيننا كمصري وغير مصري، وعلمت القيادة في مصر وقتها بحزني، فاتصلوا بي وقالوا لي أن آتي للانضمام ومعي تريم عمران تريم وعبد الله الغافل، لكني لم افعل.
واستطرد سموه حديثه قائلاً: كنت أسعى من خلال الحركة العربية الواحدة، أن نضمن على الأقل التجمع في مكان واحد، ومصالحة القوميين والبعثيين والشيوعيين وغيرهم تحت مظلة واحدة وهي «المصلحة العربية الواحدة»، وأن لا يعيش الوطن العربي الشتات الذي يعيشه الآن، إلى أن وصلنا إلى درجة التناحر، والمطلوب الآن من العالم العربي أن يوفر لأبنائه العلم والثقافة بقدر ما يوفر ويشتري أسلحة، وبهذه الطريقة نستطيع أن نصنع نهضة جديدة للعالم العربي.
وبالرغم من كل الأحداث الجارية التي أصابت الكثير بالإحباط، فأنا لا أشعر بإحباط، لأننا عندما ننظر إلى حياة الشعوب، ندرك جيداً أن ما يحدث الآن هو حالة في الزمن، والحالات في الزمن كثيرة سواء سيئة أو حسنة، فأحواله متقلبة كأمواج البحر، فلا يجب علينا الخوف من هذه التقلبات، بالرغم من أنها أحياناً تجلب معها المنايا لأبنائنا وتلقي بهم جثثاً على الشواطئ الأوروبية، وهنا يجب علينا الصبر والتحمل، لأن ما أصابنا من ضرر على يد المغول وكذلك التركمان كان أشد من هذا ألماً.
نعيش حالة من التشتت.. وهذا ما تتمناه «إسرائيل»
مصر عائدة وبقوة .. والسيسي رجل يتحمّل المسؤولية
عن دور جمهورية مصر العربية في العالم العربي قال صاحب السمو حاكم الشارقة: إن طبيعة مصر تختلف عن طبيعة الشعوب الأخرى، فالوضع هناك الآن يمكن تشبيهه بالجسد الذي يريد أن يتعافى من بعض الأمور التي يعانيها، وهذا العلاج يستلزم الكثير من المجهود لأن العدد ليس بقليل ف 90 مليون نسمة تعداد لا يستهان به، في ظل المشاكل والتحديات التي تواجهها مصر من الخارج من الشرق والجنوب والشمال، فإن رئيس جمهورية مصر العربية عبد الفتاح السيسي، رجل يتحمّل المسؤولية ويريد أن يعالج، فهو كالطبيب القابض في يده على مشرط يجرح به في الجسد للعلاج وليس للألم، والعلاج هنا في ظل هذه الظروف والأحداث الجارية يحتاج إلى هدوء، ولذلك مصر عائدة وبقوة ولكن بعد الانتهاء من هذه الغمة الخارجية في سوريا والعراق، فمصر فيها الخير، فإذا أردنا جيشاً يدافع عن الأمة العربية فهو لنا من مصر، فباستطاعة مصر أن تخرج بأمر عسكري واحد 10 ملايين مقاتل، فلنا في مصر عمق وضمان اجتماعي.
نحن نشاهد بعض البلاد الأخرى، استطاع الأعداء أن يخلخلوا في جذورها، وشتتوها إلى عربي وكردي وتركماني ويزيدي، وبهذا تشتتت هذه البلاد كما تتمنى «إسرائيل»، ولكن لم ولن يتمكنوا من فعل ذلك في مصر، وهذا عائد لأن التلاحم المصري يخلو من الاختلاف على مر الزمن، وبالرغم من المحاولات التي بذلها أعداء مصر لدس الاختلاف في تلاحمها، لكنهم لم ولن يستطيعوا، بما يوضح لنا أن سبب نجاح الأعداء في تشتت بعض الدول هو عدم وجود عامل مشترك بين أفراد هذه الدول، ولذلك يلزم علينا أن نشترك في أهم عامل بيننا وهو «القومية العربية»، حتى نتمكن من حماية بعضنا بعضاً، ولهذا أقول «مصر عائدة».
مراكز للشعراء الجدد من الشباب
عن الجيل الجديد والوسائل الحديثة قال صاحب السمو حاكم الشارقة: الجيل الجديد ما لم نسع إلى تربيته، لا يمكن أن يترك هذه الوسائل، لأن هذه مضيعة ومتاهات وشطط وكثير من الأمور، ولذلك نحن الآن نسعى لأن ننشئ مراكز للشعراء الجدد من الشباب، ونجمعهم من أسيوط والإسكندرية والقاهرة ونأخذ إنتاجهم ونطورهم ونرتقي بهم، وفي الأردن وفي كل مكان.
وكذلك نأخذ المسرحيين في مجالات المسرح المختلفة كالمسرح المدرسي والمسرح الثانوي في بريطانيا وفي كل مكان، فنحن نعمل على النهوض بالفكر، ولكن يجب الدخول إلى هذه البلدان من الباب الصحيح، والاستئذان قبل الدخول، مع العلم أننا مجردون من أي فكر من الأفكار الهدامة والنزعات التي تخرب في البلدان، فمشروعنا خير، ونمضي فيه بهدوء، وأصبح لدينا الآن في المفرق بالأردن «بيت الشعر»، وبالرغم من أن مدينة المفرق صغيرة المساحة، إلا أنها كانت لأول مرة يجتمع فيها الناس مع بعض البعض، ويعرفون أن لديهم شعراء ويسمعون إلى إنتاجهم، فأصبح هذا اللقاء للتثقيف والارتقاء بالنفس، وهذا هو هدفنا.
وهذا المشروع الثقافي يخاطب الخاصة وليس العامة من الناس، فلا نستطيع أن نلقي بقطعة من السكر في البحر المالح وننتظر النتيجة، فلا بد أن نعمل في إطار خطوات محددة للوصول إلى الأهداف المنشودة، بإنشاء مركز لتجميع الأشخاص الخيرين، فهذا هو همي أنا، الذي أضع له البذرة والأساس دون التعجل في الوصول، بقدر الاهتمام والتركيز على الإتقان في تنفيذ خطوات الوصول.
كتاب حول أصل تكوين الخليج
كشف صاحب السمو حاكم الشارقة عن مشروعه الثقافي الذي يعمل عليه منذ 15 عاماً، قائلاً: هو كتاب حول أصل تكوين الخليج وتاريخه والأقوام التي أتت إليه على مر العصور، وهو مشروع يستهلك الكثير من الوقت، وسيتكوّن هذا الكتاب من أكثر من مجلد، علماً بأن ملامحه بدأت في الوضوح.
كما كشف سموه عن مشروع تنفيذ قاعات جديدة بمساحة 60 ألف متر مربع، لتقام فيها المعارض الثقافية في إمارة الشارقة، ومنها معرض الشارقة الدولي للكتاب، قائلاً: «هو مشروع كبير، وتم تحديد المكان وكذلك البدء في وضع التخطيط اللازم للمشروع».
نتواصل مع مثقفي المهجر.. وأسسنا «مجموعة نقاد» قبل الطبع
عن المثقفين من الروائيين وأصحاب القصة العرب المقيمين في المهجر، قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: بدأنا الخطوة الأولى، وهي الاتصال بالعرب المقيمين في المهجر، ليكونوا همزة الوصل بيننا وبين المثقفين المقيمين في المهجر، وهو مشروع كبير يتضمن اللقاء والنقاش والتواصل وطباعة الكتب بلغات البلدان التي هم في مهجرها، ونترجمها إلى العربية ونستشيرهم فيما نترجمه من العربية إلى اللغات التي هم أدرى بها منا.
ولدي مشروع مع بعض المؤسسات تبلغ تكلفته مبالغ كبيرة، ولا أريد أن أعلنها، فأنا أريد أن أعمل هذا المشروع وكذلك لا أريد أن أتخطى الروائيين العرب في المهجر، لأنهم أدرى بالبلاد المقيمين فيها، لأنني إذا أردت أن أذهب إلى العالم الآخر وأبحث عن إنسان يتذوق شعري وأدبي فلن أتمكن، فهم أدرى لأنهم يعرفون الذائقة الموجودة هناك.
ولذلك عندما أتينا نحن العرب كضيف شرف هنا في فرانكفورت قمت أنا بطباعة 87 كتاباً، مع وجود لجنة لتقييم هذه الكتب ومدى إمكانية قراءتها بالألمانية، ولكن كانت هذه اللجنة محدودة على بعض الأشخاص، ولكن أنا الآن وكأنني وجدت ضالتي، في هؤلاء الناس المقيمين في المهجر في إيطاليا وألمانيا وغيرهما من البلدان، وسنكوّن منهم رابطة.
وأكد صاحب السمو حاكم الشارقة أنه يشارك بصفته عربياً، قائلاً: أنا لا أشارك بصفتي من دولة الإمارات، فأنا أدخل بصفتي شخصاً عربياً، ولذلك سأكوّن هذه الرابطة، وتهدف هذه الرابطة إلى حمل أفكار الشعر القيّم والقصة والرواية، وغيرها من الأعمال الأدبية التي يسهل حملها وأفتح من خلالها باباً للتواصل، وليس حمل التراث، فإذا أتينا لحمل تراثنا العربي، فكم سنحمل من جمهورية مصر العربية، فنحن لا نريد أن نرهق أنفسنا بالأحمال الثقيلة، فنحن نركز على العلاقة وهذه العلاقة ليست في التراث، فهي علاقة أدبية.
كما أسسنا مجموعة تسمى «مجموعة النقاد»، فقبل أن يخرج الكتاب أعطيه إلى هؤلاء النقاد وأطلب منهم أن ينتقدوه، وذلك بتوضيح الرأي من حيث الجوانب الجيدة وعكسها، فقبل أن أقوم بنقل أعمال الكتّاب العرب إلى الغرب، سأقدمها إلى النقاد الحصول على نقد جيد يحتوي على تغيير يقبله الكاتب، وبهذا الشكل أنقح الكتاب، ولا تنجح الرواية والقصة إلا بالنقد، فبهذا يصبح العمل مكتملاً وسليماً، ونتواصل بعد ذلك مع الكاتب، مع العلم بأن هذه المؤسسة أديرها بنفسي، وهذا نابع من الهواية، فأنا أكتب روايات ولدى شغف في هذا المجال.
زهرة في صحيفة
قدّم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، نصائح ثمينة لأبنائه من رواد الإعلام في الإمارات، من حيث الاختصار في الوقت المناسب لذلك، مع عدم طمس الموضوعات المهمة بطريقة عرض مختصرة وغير ملحوظة، ووجههم إلى إبراز الموضوعات المهمة، وعدم التركيز على أحد المجالات على حساب الأخرى، وخصوصاً أن لكل مجال متابعيه من القراء في حين أنه لا يتابعه قراء آخرون، فكل حسب اهتماماته، وتقديم الموضوعات القيمة التي يرتبط بها القارئ. وكذلك حثهم على طرح الشعر والموضوعات الروائية التي تخدم الأدب والثقافة، لتكون بمثابة الزهرة في الصحيفة، التي يستنشق عبيرها القارئ في الصباح، فتبعث في نفسه الراحة
الحرب العبثية اجتاحتنا وطالت مقدراتنا وتراثنا
خلاص العرب بالعلم والمعرفة والثقافة
عن أنواع الشعوب وما يمر به العالم العربي قال سموه: الشعوب أنواع منها القيادي وغير القيادي، فمثلاً الشعب الهندي يحتضن العديد من اللغات والأجناس والأديان وبالرغم من ذلك لم تخترب بينهم العلاقات ولم ينتشر العبث، وهذا بسبب أن الهنود شعب قيادي، وكذلك إذا نظرنا إلى اليابان وألمانيا سنجد أن القيادة فيها هزمت لكن الشعوب نهضت ونجحت ، بينما نحن في عالمنا العربي لدينا في الأصول «الصورة القبلية»، وهي تعني تسليم الراية إلى رئيس القبيلة، وإلغاء العقل وترك مهمة التفكير إلى القيادة، فعندما كان لدينا استعمار كان قابضاً علينا، ثم انفلتنا بعد رحيله، وذلك بسبب منح الحرية لأشخاص لم يتدربوا عليها، وقيادة لشعب لا يعلمها، وهذا كله عبث، فهل يكون العلاج هنا بالقوة العسكرية؟ فنحن جربنا العسكر سابقاً ولم ننجح، إذاً فنحن نريد للعالم العربي تربية جديدة، فخلاص العرب هي بتربية العقل والعلم والمعرفة والثقافة.
وعن مؤتمر الاستثمار في المستقبل الذي عقد في الشارقة في الفترة من 19 إلى 20 أكتوبر الجاري، قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: أدخلت على الاستثمار كلمة «عدالة التنمية»، فقلت للمستثمر القادم إلي أن يحترمني، أنا لم آت على الهامش لأقول كلاماً وأخرج، فإن القائمين على هذا المؤتمر هم أولادي وبناتي، ويجب أن أوجههم وأقدم لهم الكلمة المناسبة.
وأقول لكل قادم إلى هذا البلد أنه يجب عليه أن يعلم أنه لن يأتي للعب والعبث فيها، بل يجب عليه أن يجلب معه العلم والمعرفة كما هو قادم للحصول على الخير منها، وأن يعلم أن هذا البلد له قيم ويجب عليه أن يحترمها.
وقال سموه: بتحليل هذه الكلمة تتضح كثير من الأمور المهمة، فالكلمة لها أبعاد كثيرة لأي مستثمر، فليس أي مستثمر يأتي إلى دولة الإمارات ويعبث ونتحمّل نحن نتيجة عبثه، فأنا من يتحمّل جميع نتائج عبث هذا المستثمر، من مشاكل اجتماعية وغيرها من متاعب، كما يجب على هذا المستثمر أن يضيف إلى الدولة، فعندما شاركت برأي في مؤتمر المرأة، شاركت بكلمة أوضحت فيها النسب التي وصلنا إليها في دولة الإمارات، ولكنني أتساءل أيضاً عن عالمنا العربي هل وصلنا؟ فأنا مسؤول عربي، ولذا ذكرت في كلمتي خلال مؤتمر الاستثمار في المستقبل أن «بلاد العرب بلادي»، فجميعنا كعربي وإسلامي وآسيوي كلنا في همّ شرقي واحد، ونحن نقول «همّ شرقي» لأننا في هذه الشرق مستهدفون، ولذلك لا بد أن نشترك في آسيا في أمور كثيرة كالأمن والاقتصاد المدروس، فنلاحظ أن الآخرين يأتون من البعيد للاشتراك في إفريقيا، كما فعلت دولة فرنسا ببحثها عن المتحدثين باللغة الفرنسية لتكوين اتحاد معهم بالرغم من بعد المسافة بينهم، ولكنها اعتمدت في هذا الاتحاد على الاشتراك في اللغة، فما بالك ونحن الاشتراك بيننا في إسلامنا ولغتنا العربية، والعديد من الأمور في العالم العربي؟ ولكن العالم العربي لا حول له ولا قوة، وهو الآن في حالة من بعض الشجون، ونحن الآن في العالم العربي كالرجل المرابط على باب بيته ليدافع عنه، فيخبرونه بأن شيئاً دخل في غرفة فيركض إليها، ثم يخبرونه بأن شيئاً دخل الغرفة الأخرى فيركض إلى الغرفة الأخرى، ونحن جميعاً نعلم أين هذه الغرف الواقعة في بغداد وسوريا وليبيا واليمن وغيرها.
المصدر: الخليج