أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أهمية الاعتناء باللغة العربية وقواعدها، والاستمتاع بالنحو والصرف فيها، وأن هذه اللغة حدثت نفسها بإدخال كلمات من أصول أخرى للاستفادة منها، بما يناسب العصر، وبعضها ذات أصول آرامية وأخرى فارسية ورومانية، وكذلك إغريقية التي أتت منها كلمة «اللغة» فأصل كلمة «اللغة» من «اللغو» وهي كلمة إغريقية تنطق «لاغو».
قال سموه، في مداخلة هاتفية عبر برنامج «الخط المباشر»، الذي يبثّ عبر أثير إذاعة وتلفزيون الشارقة، مع الإعلامي محمد خلف: الخوض في اللغة يمكن أن يضيع منها بعض الأمور. وأوضح أن كل كلمة ليست عربية لا تصرف، فلا نستطيع أن نصرف الكلمة الأجنبية المعربة، فإذا أردت أن تعرف أصل كلمة معينة، وهل هي عربية أو لا، فأرجعها إلى الفعل، فإذا تمكّنت فهي كلمة عربية. واللغة العربية دخلت عليها كثير من الكلمات مثل الآرامية، والفارسية والرومانية، ولذلك نقول في اللغة مثلاً: على سيدنا عيسى عليه السلام: «ويكلم الناس في المهد وكهلا»، وهنا يفهم الناس كلمة «كهلاً» بمعنى كبير السن، وهذا خطأ، فهي أتت هنا بمعنى قوياً، فالكاهل هو القوة والشدة، فهنا كان عيسى عليه السلام يبلغ من العمر 32 عاماً ولم يكن كهلاً. وكلمة «كهل» آرامية، وكذلك كلمة «إبل» آرامية ومعناها بالآرامية «الذي يحمل»، فهناك كثير من الكلمات التي نستعملها ولا نعلم أنها في الأصل ليست عربية.
وأضاف سموه: كذلك كلمة «جمل» ليست عربية، فإذا حاولنا تصريف هذه الكلمة فسنجد أنها لا تصرف، وبالنسبة لهذا النوع من الحيوانات يسمى «بعيراً» و«ناقة» فقط، ونظراً لأن البعير والناقة حملا الحمل أطلقوا عليهما «جمل»، وكلمة «جمل» تطلق على المذكر منها والمؤنث، فيجوز قول، «حلبت الجمل». وكذلك كما ورد في القرآن الكريم «حبل من مَسَد» وهي فارسية وتعني «ليف»، وغيرها كثير من الكلمات الموجودة في اللغة وليست بعربية.
وتابع سموه حديثه قائلاً: ومن لديه القواميس وخاصة قاموس «المنجد» الذي يفصل في هذه الأمور، سيجد أصل الكلمة موضوعاً بين قوسين، سواء كانت فارسية أم يونانية أم إغريقية أم آرامية وغيرها من الأصول، وأصل كلمة «اللغة» من «اللغو» وهي كلمة إغريقية تنطق «لاغو»، وقبول لغتنا العربية كثيراً من الكلمات يعدّ تحديثاً لها وليس ضياعاً لأصلها، فدخلت عليها كلمات يمكن الاستفادة بها بما يناسب العصر، فمثلاً نحن الآن أمام صناعات جديدة لم تكن موجودة في السابق، مثل «السيارة» أطلقوا عليها اسم «سيارة» وهي تعني القافلة التي تسير، وكذلك «الطائرة» مشتقة من «الطير»، فهنا قاموا بتحديث اللغة مستخدمين كلمات تناسب العصر، وكذلك عندما تمت صناعة الصاروخ وتسميته بهذه التسمية. لغتنا جميلة ومن الممتع حفظها والاعتناء بها وبقواعدها، ونحوها وصرفها فيهما متعة.
وقال سموّه: كذلك كلمة «كاميرة» من كلمة «قمرة» وهي الغرفة المظلمة، وهناك كلمات كثيرة مستعملة بالأجنبية ودخلت على اللغة العربية كما هي، وأنا أدعو الشباب وأقول: هذه لغتكم ولا تضيّعوها. قد يعجبك من الإنسان اسمه، حتى إذا رأيته يعجبك منه شكله، وإذا ما حدثته بان مخبره. وكما قيل فإن الإمام أبا حنيفة طرق عليه زائر الباب، فإذا هو شخص يرتدي عمامة وملابس توحي بالهيبة. فقال له تفضل في المجلس، وجلس أبو حنيفة القرفصاء احتراماً له، وقال له سَلْ حاجتك، فردّ الرجل: أسألك متى يجب الصيام؟ فأجابه الإمام: إذا طلع الفجر. فقال له الزائر: وإذا طلعت الشمس قبل الفجر؟ فقال أبو حنيفة: «آن لأبي حنيفة أن يمدّ رجله». ويعني أنه قلل احترامه للزائر بسبب سؤاله. وهذا يوضح لنا مدى احترام العلم، ودائماً نجد أن أصحاب العلم متواضعون؛ لأن صاحب العلم يرى خلق الله في الواقع الذي يتعلمه، وهنا يصغر هذا الإنسان أمام خلق الله. ونتمنى أن نكون من هؤلاء الناس الذين تكمن قيمتهم في مخبرهم وليس في مظهرهم.
ووجّه سموّه نصيحة إلى أبنائه وبناته قائلاً: إذا رطب الإنسان لسانه بالقرآن، قوّم هذا اللسان، يقوّم الله – سبحانه وتعالى – هذا اللسان، فنلاحظ أننا نتحدث بلغة عربية واضحة بلا أخطاء في النحو أو الصرف، وهذا كله يأتي بفضل قراءة القرآن، وأنا أوصي أبنائي وبناتي بقراءة صفحة، على الأقل، من القرآن يومياً، واجعلها عادة لا تتركها أبداً، ونحن نتمنى أن نعيد أمجاد هذه اللغة. وأذكر أنني عندما كنت طفلاً، كان والدي، رحمة الله عليه، عندما أتحدث، يقول لي: لا تقل هذا، فأسأله لماذا؟ فيجيبني: هذه كلمة «سوقة» بمعنى أنها من المفردات السوقية. وأتمنّى من كل أب أن يقوّم ابنه بهذا الشكل؛ لأن أفضل التقويم هو الذي يحدث في الصغر.
المصدر : الخليج