ترجمة: مكي معمري عن «ذي أتلانتك»:
انتهت المهلة التي أعطتها دول خليجية ومصر لقطر من أجل الامتثال لـ13 مطلباً لإنهاء الأزمة الدبلوماسية الراهنة، قبل أن يتم تمديدها 48 ساعة إضافية اعتباراً من أمس. والدوحة مطالبة بقطع العلاقات مع إيران، وإغلاق قنوات الجزيرة، ووقف منح الجنسية القطرية للمعارضين من البلدان المعنية الذين احسنت وفادتهم قطر. وعلى الرغم من جهود الوساطة الأميركية والكويتية رفيعة المستوى، يبدو من غير المرجح التوصل إلى اتفاق.
• رفض الامتثال للطلبات الـ13 سيؤدي إلى تفاقم التهديد الخارجي الذي تواجهه الدوحة.
• على الرغم من التهديد الواضح الذي يترصد شركاءها في دول مجلس التعاون الخليجي، واصلت قطر رسم مسار مؤيد لـ«الإخوان».
الاختفاء الطوعي
لم يبد أمير قطر، تميم بن حمد، أي رد فعل منذ بداية الأزمة في الخامس من يونيو الماضي، على الرغم من اتهام دول مجاورة ومصر للإمارة الصغيرة بدعم الإرهاب، كما لم يدل الأمير بأي تصريح علني منذ بدء المقاطعة، بعد اتهامه ودولته بدعم الإرهاب وإيواء الإرهابيين.
وعلى الرغم من انقضاء مهلة الـ10 أيام التي أعلنتها دول المقاطعة، إلا أن حاكم الدوحة لم يجر أي مقابلة مع وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، في حين يتهدد بلاده إعصار قوي. وتتهم الدوحة بإقامة علاقات مع النظام الإيراني، ودعم حركات إرهابية، وقد اختفى أمير قطر منذ تم إغلاق المجال الجوي والبري والبحري من قبل دول الجوار.
ويعلل مراقبون صمت الأمير القطري بأنه يسعى لربح الوقت، وحشد الدعم الدولي، والبحث عن مخرج من الأزمة والعزلة. وترى مصادر خليجية رفيعة أن تصرفات قطر وتعنتها أمام قائمة المطالب المقدمة من الإمارات والسعودية والبحرين ومصر لإنهاء الأزمة المستمرة منذ أسابيع، تستهدف إفشال جهود الوساطة التي يقوم بها أمير الكويت، بدلاً من دراستها والرد عليها عبر القنوات الدبلوماسية، قبل أن تأتي وتعلن أنها غير قابلة للتنفيذ.
غير قابل للتفاوض
وترى قطر أن المطالب اعتداء على سيادتها، ورفضت الإذعان للضغوط. وأعلنت الدول الأربع التي طبقت المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية على الدوحة في الخامس من يونيو الماضي، أن مطالبها غير قابلة للتفاوض، ووعدت بمزيد من التصعيد إذا مر الموعد النهائي من دون اتفاق، لكنها عادت وأعطت مهلة إضافية لمدة 48 ساعة، بناء على طلب الوسيط دولة الكويت، الذي تلقى بالأمس الرد القطري على المطالب.
على السطح، فإن الخلافات السياسية في قلب هذا الصدع ليست جديدة. وقد رأت الكتلة المقاطعة لقطر منذ فترة طويلة أن علاقات الدوحة شاذة جداً مع إيران، وهي استفزازية جداً في دعمها لقناة الجزيرة، ووسائل الإعلام المرتبطة بها، كما أنها كانت داعمة للحركات المتطرفة. والشيء الجديد هو حزم الكتلة المناهضة لقطر في المواجهة الحالية. وتعتبر السعودية والإمارات بشكل خاص دعم قطر لجماعات الإخوان المسلمين تهديداً كبيراً لاستقرارهما، وبالتالي فإن سلوك قطر ليس محل اعتراض فحسب، بل غير مقبول على الإطلاق.
وفي حين أن مطالب البلدان الأربعة الـ13 من قطر تشمل مجموعة من القضايا، فإن معظمها ذو صلة بالقلق المستمر إزاء علاقة الدوحة بجماعة الإخوان المسلمين، وتعكس رغبة هذه الدول في إلقاء نظرة على ما تعتبره تهديداً وجودياً
وبمعنى ما، فقد شعرت دول الخليج بالقلق على استقرارها على المدى الطويل منذ أواخر عام 2010، عندما بدأت سلسلة من الانتفاضات الشعبية في اكثر من مكان في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي حين طالب الناشطون في طليعة تلك الانتفاضات بالإصلاح السياسي والمساواة الاقتصادية، سرعان ما انحدر ما يسمى «الربيع العربي» إلى سلسلة من الصراعات المريرة على السلطة. وفي أشد الحالات فتكاً، اندلعت حروب أهلية في سورية وليبيا، حيث ردت الأنظمة هناك بوحشية على الاحتجاجات، ما أثار الصراعات التي قتل فيها مئات الآلاف، وشرد الملايين.
لكن حتى في الحالات الأقل عنفاً، واجهت أنظمة في المنطقة رهانات محصلتها لا شيء: هرب الدكتاتور التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى المنفى، وتعرض الرئيس المصري حسني مبارك للمحاكمة والسجن. في حين غطت «الجزيرة» انتفاضة يناير 2011 في مصر بقوة، وانضمت قطر إلى شركائها في مجلس التعاون الخليجي، وشاركت بقيادة السعودية في مارس 2011 في دعم الملكية الدستورية البحرينية، ووقف الاحتجاجات.
مسار مستقل
ومع صعود تنظيم الإخوان المسلمين سياسياً في أعقاب هذه الانتفاضات، رسمت قطر مساراً مستقلاً، وأيدت بقوة هذا التنظيم. ويعكس قرار الدوحة جزئياً ميولها الأيديولوجية، إذ كان الأمير الوالد قريباً من رجل الدين المصري المولد، يوسف القرضاوي، وهو المرشد الروحي للإخوان الذي أقام في قطر منذ 1961، وكانت الجزيرة قد وفرت لفترة طويلة منصة للقرضاوي وغيره من ناشطي التنظيم الارهابي، لتعزيز أيديولوجية الجماعة. ولم يشكل «الإخوان» أي خطر داخلي على النظام القطري، لأن الدوحة حلت فرع الإخوان المحلي في عام 1999.
«الإخوان» تهديد للمنطقة
إلا أن السعودية والإمارات وجدتا أن صعود جماعة الإخوان يشكل تهديداً خطيراً على أمن المنطقة والعالم العربي. فالتنظيم يسعى إلى إنشاء «دولة إسلامية عالمية» تحت سيطرته، ويسعى إلى إسقاط الحكومات التي تخالف نهج الجماعة. وتخشى الدول المقاطعة لقطر أن تؤدي سيطرة الإخوان على الحكم في مصر وتونس وما وراءهما إلى تنشيط جماعات الإسلام السياسي المحلية في أكثر من مكان. وفي الواقع، عملت حكومة دولة الإمارات على حل فرع الإخوان المحليين، المعروف باسم جمعية «الإصلاح»، منذ عام 1994.
وقد تفاقمت المخاوف السعودية والإماراتية بشأن نوايا الإخوان طويلة الأجل. لذلك عندما وقعت ثورة 30 يونيو في مصر، واستجاب الجيش المصري للاحتجاجات الجماهيرية بإطاحة مرسي في يوليو 2013، اعتقد البلدان أن الأمور أخذت مسارها الصحيح، وأيدا التغيير.
خطر ماثل
وعلى الرغم من التهديد الواضح الذي يترصد شركاءها في دول مجلس التعاون الخليجي، واصلت قطر رسم مسار مؤيد للإخوان. فبعد ثورة 30 يونيو في مصر، منحت قطر ملجأ لبعض قادة الإخوان الذين فروا من مصر، واستضافتهم «الجزيرة» في فنادق الدوحة من فئة الخمس نجوم، ومنحتهم الفرصة والوقت الكافيين للدفاع عن قضيتهم. كما بثت القناة احتجاجات جماعة الإخوان المناهضة لعزل مرسي، ودفعت مالاً في بعض الحالات من أجل الحصول على الأشرطة والصور. ورداً على ذلك، سحبت السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من الدوحة في مارس 2014، متهمة إياها – أي الدوحة – بانتهاك مبدأ مجلس التعاون الخليجي، ضد التدخل في الشؤون الداخلية للأعضاء. وتم حل المواجهة بهدوء بعد شهرين، وغادر قادة الإخوان المصريون الدوحة في وقت لاحق من ذلك العام.
لكن من وجهة نظر السعودية والبحرين والإمارات، لم تلتزم قطر أبداً باتفاقية عام 2014، واستمرت في العمل حلقة وصل بين شبكات الإخوان الإقليمية. وعلى الرغم من ذلك، لاتزال قطر تستضيف قيادة حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، التي تعرف منذ فترة طويلة بأنها الفرع الفلسطيني لجماعة الإخوان، وهي منظمة إرهابية، وفقاً لتصنيف الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن «حماس» قد ابتعدت أخيراً عن حركة الإخوان الدولية، إلا أن زعيمها أكد أنها لاتزال جزءاً من «المدرسة الفكرية» للإخوان، وكان هذا الإعلان من الدوحة. وعلاوة على ذلك، تواصل قناة الجزيرة تعزيز أصوات الإخوان، وكثيراً ما توظف منافذ التمويل ومراكز الفكر كوادر وحلفاء الإخوان. وعلى سبيل المثال، وحتى وقت قريب، كان القيادي في الجماعة، إسلام لطفي، رئيساً لشبكة العربي الجديد، ولايزال القرضاوي يستخدم القنوات القطرية كمنصة، لذا يجب ألا يكون مفاجئاً أن يكون القلق إزاء جماعة الإخوان محور أزمة الخليج، وقائمة الـ13 مطلباً. وينص المطلب الثاني على قطع «الدوحة» جميع العلاقات مع المنظمات الإرهابية، وتحديداً جماعة الإخوان، وإعلان الأخيرة منظمة إرهابية. والثالث يدعو إلى إغلاق «الجزيرة والمحطات التابعة لها»، التي تعتبرها الدول المعنية بمثابة بوق للإخوان، والطلب الرابع يدعو بالمثل إلى إغلاق ما لا يقل عن أربع قنوات أخرى تعتبر مؤيدة بشدة للإخوان.
ويدعو الطلب الخامس الدوحة إلى «إنهاء الوجود العسكري التركي حالياً في قطر، وإنهاء أي تعاون عسكري مشترك مع تركيا داخل قطر». وهذا يعكس مخاوف البلدان الأربعة بشأن التعاطف الصريح للرئيس التركي رجب طيب أردوغان المؤيد للجماعة، واحتمال أن يعزز النفوذ التركي داخل قطر الدعم القطري لمنظمات الإخوان.
عناصر مطلوبة
وجاء في الطلب السادس ضرورة وقف جميع وسائل تمويل الأفراد أو المجموعات أو المنظمات التي اعتبرتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين والولايات المتحدة ودول أخرى، ضمن الكيانات الإرهابية. ويطلب من قطر أيضاً تسليم عناصر مطلوبة في السعودية والإمارات ومصر والبحرين إلى بلدانها الأصلية، وهي قائمة تضم كوادر الإخوان ومؤيديهم، بمن في ذلك القرضاوي. ويدعو المطلب الثامن الدوحة إلى إنهاء التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، التي تشمل فروع الإخوان في جميع أنحاء المنطقة، والمطالبة التاسعة تتمثل في وقف جميع الاتصالات مع المعارضة السياسية في السعودية والإمارات ومصر وأيضاً البحرين. إضافة إلى تسليم كل الملفات التي تتضمن تفاصيل اتصالات قطر السابقة مع جماعات المعارضة ودعمها.
مزيد من العقوبات
ماذا ستفعل السعودية والإمارات والبحرين ومصر فعلاً إذا لم تستجب قطر؟ في مقابلة مع صحيفة «الغارديان»، هدد سفير الإمارات في روسيا بفرض عقوبات إضافية على قطر. وبعبارة أخرى، هذا الصدع هو أيضاً وجودي للحكومة القطرية، لكن نظراً لتاريخ البلاد من الانقلابات والتنازلات عن المنصب، لا توجد إجابات جيدة في مصلحة الدوحة. إن رفض الامتثال للطلبات الـ13 سيؤدي إلى تفاقم التهديد الخارجي الذي تواجهه، ولكن الاستجابة لتلك المطالب ستظهر الضعف محلياً، ويمكن أن تجعل الأمير عرضة للخطر.
المصدر: الإمارات اليوم