كاتب وإعلامي سعودي
للشباب في أي مجتمع في العالم مشكلاتهم وهمومهم وقضاياهم، ومعظم الحكومات تضع استراتيجيات وطنية طويلة المدى للعناية بهم، بل نجد في بعض الدول المجاورة وزارات للشباب.
للأسف قضايا الشباب متناثرة بين جهات عدة، والمحصلة النهائية قد تكون معدومة وتصل إلى الحالة الصفرية في مخرجاتها، فالرئاسة العامة لرعاية الشباب تولي اهتماماً فقط بالجوانب الرياضية، ولاسيما في كرة القدم، والتي لم تحقق النتائج المرجوة فيها، على رغم الدعم الرسمي لها، ولكن هموم الشباب وقضاياهم أوسع من لعبة كرة القدم، إذا تطرقنا إلى هذه الفئة من حيث الأهمية وكما تشير معظم الإحصاءات الرسمية بأن نسبة الشباب في مجتمعنا تمثل حوالى 60 في المئة من سكان المملكة، هذا المؤشر يعطينا دلالات قوية على أهمية الاهتمام بقضايا هذه الفئة، ولكن هل نحن فاعلون؟
مرحلة الشباب من أهم وأخطر المراحل التي يمر بها الإنسان في حياته من خلال مرحلة تكوين شخصيته وتحقيق ذاته بأية طريقة قد لا تتفق مع النسق الاجتماعي السائد، إضافة إلى أن الشباب يُقدِمون على المغامرة في هذه المرحلة، وفي حال لم توجد المؤسسات الرسمية التي ترعاهم وتحقق طموحاتهم فقد يسلكون دروباً خطيرة ليس فقط على أنفسهم بل على المجتمع بأسره.
ولمعرفة هموم الشباب وقضاياهم علينا أن نؤمن أن الأكثر قدرة على تشخيص مشكلاتهم هم الشباب أنفسهم، فعلينا إشراكهم في هذه العملية من خلال إعطائهم الفرصة في الوصول إلى المؤسسات الرسمية التي تعنى بهم، وأن يكون لهم تمثيل عادل في غيرها من الأجهزة الرسمية الأخرى، ولاسيما ذات الصبغة التشريعية، كما هي الحال في مجلس الشورى مثلاً، فلماذا لا يتم اختيار نسبة منهم في المجلس؟
كثير من الدراسات تظهر أن الشباب في بلادنا يعانون من الإحباط من قضايا لها علاقة مباشرة بهمومهم، ومنها تقرير لمجموعة بوسطن الاستشارية بعنوان: «ما المشكلة الكبرى التي تواجه الشباب السعودي؟» نشر هذا العام، فمثلاً قضية نوعية نظام التعليم لدينا لهم عليها مآخذ عدة، وقد عبّروا عن الحاجة إلى تحسين نوعية التعليم والحاجة إلى التدريب، وكلنا يعرف أننا إذا حسَّنَّا من نوعية التعليم ومخرجاته فهذا بالمحصلة النهائية سيراكم ويزيد من نسبة البطالة في المجتمع ولاسيما بين الشباب، إذ تشير بعض الإحصاءات الرسمية إلى أنها تقارب 12 في المئة.
مثل هذه الأرقام خطيرة جداً، وقد تكون لها انعكاسات سلوكية عليهم وعلى الوطن، ولاسيما أن كثيراً منهم يعتبرون «الواسطة في التعين وليس الكفاءة» هي الطريق إلى الحصول على الوظيفة في القطاعين العام والخاص، وهناك قضايا مهمة وحساسة لدى هذه الشريحة المهمة مثل خوفهم من الجرائم والعنف وندرة الوظائف وتكاليف المعيشة وارتفاع أسعار المساكن التي يجب أن تركز عليها جهاتنا الرسمية، ففي حال إهمال منا أو المحاولات غير الجادة مع همومهم قد تدفع بعضهم إلى منزلقات خطرة، فنحن نشاهد غالبية المنخرطين في التنظيمات الإرهابية أو المتعاطفين معها هم غالباً من هذه الفئة. من المؤكد أن تلك التنظيمات تستهدف الشباب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن لماذا بعض شبابنا هم الفئة التي تنخدع في خطاب هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية، مقارنة بالشباب في الدول المجاورة، ولاسيما الدول الخليجية، وهو ما يدلل على أن هناك أزمة يعيشونها ولم تَلتفت لها المؤسسات الرسمية.
علينا أن نحصِّن جبهتنا الداخلية ضد استقطاب أبنائنا من تلك المنظمات، ويأتي في مقدم ذلك تحصينهم من الأفكار المتطرفة والمتشددة من خلال التعليم والإعلام والسعي لمفهوم دولة المواطنة التي تقدر الكفاءة وتسمح لجميع أفراد المجتمع بالتعبير عن تطلعاتها في بناء مجتمعها ودولتها، من دون إقصاء أو تخوين على أسس مناطقية أو دينية أو اجتماعية، فالوطن ومقدراته ملك للجميع، وعلينا تعزيز مفهوم الوطنية الحقة من خلال استراتيجيات طويلة المدى ترعى الشباب من المراحل الأولى في نظامنا التعليمي وحتى الجامعي. أما ما نسمعه يتردد من مطالبات بتحويل الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة فهو باعتقادي تغير بالشكل وليس بالمضمون، فقد يكون من المفيد مثلاً إنشاء مجلس أعلى للشباب أو هيئة عامة لهم تعنى بقضاياهم.
وأخيراً، وللدلالة على الانفصال والخلل بيننا وبين هذه الفئة هو ما حدث في دورة الخليج الأخيرة عندما قاطع الجمهور الرياضي الحضور إلى بعض مباريات منتخبنا الوطني، فهذه رسالة قوية بأن هناك مشكلة في العلاقة تتعدي البُعد الرياضي بكل تفاصيله وإشكالاته إلى بعدنا الوطني، وهذا هو المهم، فعلينا الوقوف أمام هذه الحالة ومعرفة المشكلة ومعالجتها.
المصدر: الحياة
http://alhayat.com/Opinion/Akel-Il-Akel/