رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
تعيش جهات رسمية كثيرة حالة من التضارب والتضاد في أهدافها المعلنة، فهي من جهة تُفصح عن رغبتها في دعم الشباب المواطن وتمكينه، وتعلن مراراً وتكراراً عن أهمية دخول المواطنين قطاع الأعمال، وتحثّهم بشكل دائم على تطوير أعمالهم الخاصة، في ظل هيمنة واضحة على القطاع الخاص من قبل غير المواطنين، لكن هذه الشعارات والتصريحات تبقى في إطارها المُفرغ من أي فعل حقيقي، وتتلاشى على أرض الواقع، لتصطدم بهدف آخر تسعى إليه هذه المؤسسات والجهات، هو تعظيم الدخل، وتحقيق فائض مالي في نهاية العام، بهدف تحقيق أفضلية أمام الحكومة!
وفي ظل الاهتمام بالهدف الثاني بشكل أكبر من الهدف الأول، نجد أن هذه المؤسسات والجهات والوزارات لا ترحم مطلقاً هؤلاء الشباب، فالرسوم عليهم باهظة، ومتزايدة، والقوانين المشدّدة لا تستثنيهم، ولا تراعي حجم أعمالهم الصغيرة، وتساويهم بغيرهم من كبريات الشركات الأجنبية في رسوم الترخيص واستصدار التأشيرات، والاشتراطات الأخرى الكثيرة والمتعددة، لذا فلا عجب أبداً من خروج هؤلاء الشباب من السوق سريعاً، محمّلين بقروض وخسائر كثيرة، والمحظوظ منهم هو من يستطيع تصفية أعماله دون أن يواجه السجن مصيراً!
الدخول في القطاع الخاص في دبي تحديداً، وبصفتها مدينة المال والأعمال في الإمارات والمنطقة، لم يعد سهلاً، والتكلفة عالية، والاستمرارية لم تعد مجدية لكثير من الشركات المتوسطة والصغيرة، كما كانت قبل سنوات عدة، فالأسعار ترتفع بشكل مستمر، تقابلها رسوم متعدّدة ومتزايدة، لذلك إن لم تتحرك الجهات المعنية بشكل واقعي ملموس لدعم الشباب ومساندتهم وتمكينهم من العمل، بالفعل لا بالتصريحات، فإننا بالتأكيد لن نشاهد جيلاً جديداً من رجال الأعمال المواطنين، ولا شركات جديدة من فئة المتوسطة والصغيرة يملكها مواطنون، لأن ما يدفعونه يفوق بكثير ما يمكن أن يجنوه في هذه السوق الصعبة جداً!
لا ننكر وجود بعض الجهود من جهات تمويلية أنشأتها الدولة، لكنها جهود لا تكفي، إن لم تراعِ بقية الوزارات والجهات المعنية هذه الفئة من الشباب، وإن لم تدعمها عملياً، من خلال تخفيض تكلفة التشغيل لديها، وأعني بها رسوم الاستقدام والتأمينات، والتراخيص ورسوم المعاملات وغيرها من اشتراطات كثيرة.
ومجموع ما يدفعه الشاب المواطن صاحب العمل، لا يشمل بالتأكيد المصروفات الأخرى الضرورية لأي نشاط تجاري، وإذا تم حسابها جميعاً، فإن الدخل المتوقع لن يغطي أبداً حجم الصرف على كلفة التشغيل، والنتيجة هي خروج المواطن من السوق في ظرف زمني لا يتعدى العامين، أو دخوله السجن بعد العام الثالث!
الشباب يحتاجون إلى دعم معنوي يتعدى تصريحات صحافية، وهم بحاجة إلى مسؤولين واقعيين على علم ودراية بكل التحديات المالية وغير المالية التي تواجههم، وبحاجة إلى قوانين واستثناءات ودعم خاص بهم دون غيرهم، هذا إذا كانت لدينا نيّة حقيقية في إيجاد شريحة جديدة من رجال مال وأعمال وتجار مواطنين، أما إذا ظل الوضع كما هو عليه الآن، فلن نشاهد هذا الجيل، وسنكتفي بشريحة كبيرة لا يتجاوز نشاطها بيع «البورغر» على الـ«إنستغرام»!
المصدر: الإمارات اليوم