في بلاد «الربيع العربي»، مُخْطِئ من يظن أن فريقاً واحداً يقف وحده خلف التغيير. وإلا فإنهم يستبدلون بـ«الحزب الأوحد» فريقاً جديداً قد لا يختلف كثيراً عمن قبله في قادم الأيام. ولهذا فإن قراءة متأنية لنتائج الانتخابات الليبية تناقض الفكرة التي سادت لأشهر ومفادها أن الربيع العربي هو ربيع الإسلاميين وحدهم. في تلك البلدان، الربيع هو ربيع التغيير. وأياً يكن الفائز في الانتخابات تظل التجربة العملية هي المحك وهي مقياس النجاح في آخر النهار.
المواطن العربي -خلال السنوات القليلة القادمة- يستطيع أن يفرق بين أصحاب الوعود الكبيرة -وكثيرها غير واقعي- وبين أصحاب الإنجازات الحقيقية على الأرض. وستكون «الأيديولوجيا» -أياً تكن- في آخر قائمة الاعتبارات. فالنخب التي تبني منافساتها على أيديولوجيات ونظريات سياسية ليست مرتبطة عملياً بمفاهيم الإدارة لشؤون التنمية والاقتصاد وتحسين أوضاع الناس مباشرة على الأرض وإعادة الثقة في المؤسسات القضائية والمؤسسات التي تستطيع إغلاق أبواب الفساد قد تنجح مرة لكنها لن تقوى على النجاح مستقبلاً. وإن لم تكن الخبرات الناجحة في الإدارة هي من يتولى إدارة المؤسسات فما الفائدة من وجود قيادات مؤهلها الوحيد هو انتماؤها الحزبي أو الأيديولوجي؟ ولعل التجربة التونسية تعطي مؤشراً إيجابياً من خلال وعي الإدارة الحالية أن نجاح المشروع يأتي من خلال المشاركة وليس عبر الاحتكار.
إن بلداننا اليوم بأمس الحاجة لإدارة جادة وواعية ومؤهلة لمشروعات التنمية. تلك المشروعات هي التي ستحدث الفرق على الأرض وتعطي الإنسان العربي ثقة في مستقبله. أما صراعات النخب الأيديولوجية وما يصاحبها من تصفية حسابات ومحاكمات للمواقف والنوايا فإنما يزيد من تخلف التنمية في منطقتنا ويضعف الداخل المنهك أصلاً بفعل الاستبداد والاحتكار. نجاح المنطقة في الخروج من عنق الزجاجة يعتمد كثيراً على القيادات التي تستطيع الموازنة بين التأهيل والكفاءة في الإدارة والحكمة السياسية في استيعاب التنوع الحقيقي في المجتمع. أما أن يصر فريق أنه وحده الأحق بإدارة المرحلة فإنما يعيد وطنه إلى المربع الأول: مربع من ثارت الشعوب ضد فسادهم واستبدادهم!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق السعودية بتاريخ (٢١-٠٧-٢٠١٢)