تمر الأيام بسرعة وها نحن على بعد ربما ساعات قليلة من الضيف الخفيف الذي يأتينا مرة في العام.. شهر رمضان المبارك، فهل وضعنا استعداداتنا لكي نستقبله بتوبة نصوح، نقلع خلالها عن المعاصي ونتوقف عنها فنحصد الثواب العظيم ما بقينا من أهل الدنيا ونتخلص من أثامنا السابقة، وبدلاً من أن نتفرغ نهاراً وليلاً لمتابعة المسلسلات والبرامج التلفزيونية نتفرغ للعبادة وبدلاً من التعامل مع رمضان على أنه شهر خمول ونوم وكسل كما يظنه بعض الناس نتعامل معه على أن شهر جهاد وعبادة وعمل.

موسم التوبة

بداية يقول الدكتور عبدالفضيل القوصي وزير الأوقاف المصري الأسبق عضو هيئة كبار العلماء: بلا شك، فإن شهر رمضان من أهم وأعظم مواسم التوبة والمغفرة وكسب الحسنات والتكفير عن السيئات، فقد حسنَ قال رسول الله: «يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر.. شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً.. من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه ومن فطّر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء. قالوا: يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم، قال صلى الله عليه وسلم: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتتعوذون به من النار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها أبداً».

يضيف د. القوصي: لا بد أن يقوم كل مسلم باستغلال هذه الأيام المباركة والنفحات الإلهية التي تحدث خلالها بحيث يجعل من صيامه فرصة للتوبة والإنابة والعودة إلى الطريق المستقيم والمصالحة مع الله سبحانه وتعالى بحيث يتخلص عن العادات السيئة مثل الانشغال بتوافه الأمور أو ارتكاب الأوزار وليتعهد كل مسلم أن يتخلص من العادات المرفوضة خلال شهر رمضان مثل إدمان الأكل والمشرب ومشاهدة الفضائيات التي لا تعرض إلا البرامج والمسلسلات التي تلهي الناس عن ذكر الله، وتلاوة وقراءة القرآن والإكثار من الصدقات وصلة الأرحام.

فرص التوبة

يقول الدكتور حامد أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر شهر رمضان المبارك من من أفضل أوقات التوبة وتكفير السيئات، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر»، كيف وقد جعل الله صيامه وقيامه وقيام ليلة القدر على وجه الخصوص إيماناً واحتساباً مكفراً لما تقدم من الذنوب؟! والعبد يجد فيه من العون ما لا يجده في غيره، ففرص الطاعة متوفرة والقلوب على ربها مقبلة وأبواب الجنة مفتحة وأبواب النار مغلقة ودواعي الشر مضيقة والشياطين مصفدة وكل ذلك مما يعين المرء على التوبة والرجوع إلى الله، وقال صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل دخل عليه رمضان، ثم انسلخ قبل أن يُغفر له»، وإذا كان الله عز وجل قد دعا عباده إلى التوبة الصادقة النصوح في كل زمان، فإن التوبة في رمضان أولى.

استغلال الفرصة

يقول الشيخ محمد زكي البداري أمين عام اللجنة العالمية للدعوة الإسلامية بالأزهر: على المسلم أن يستقبل هذا الشهر العظيم باستغلال الفرصة والعمل على الاستغفار من كل ذنوبه والشكر لله تعالى الذي وفقه لبلوغ رمضان وجعله من الأحياء الصائمين القائمين الذين يتنافسون فيه بصالح الأعمال وينبغي أيضاً على المسلم أن يحذر ممّا حرمه الله عليه كي لا يعكر صفو توبته ويجب أن يسعى إلى التوبة ويتعامل معها، كما وصفها العلماء والفقهاء بأنها أمر واجب على كل مؤمن في كل حال ومن كل ذنب والتائب يحبه الله والتوبة من أسباب الفلاح في الدنيا وأن الله يقبل التوبة من عبادة ويتجاوز عن الذنوب مهما عظمت فالله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، «سورة الزمر: الآية 53».يضيف الشيخ البداري: على المسلم ألا يفوّت فرصة خلال هذا الشهر المبارك دون أن يمارس شعيرة من شعائر الإسلام التي حثنا عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعلى كل مسلم أن يبرّ والديه وأن يصل رحمه، وأن يتعاهد إخوانه الفقراء والمحتاجين والمنكسرين والمعوزين والأرامل والأيتام، وأن يُحسن إلى جيرانه ويتعاهدهم بالزيارة والنصح والإرشاد.

التوبة والتخلص من الذنوب

يوضح د. أبو طالب عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، قائلاً: لا بد أن يستغل المسلم تلك النفحات الإلهية ويسعى للتوبة والتخلص من ذنوبه وعليه أن يتبع شروط التوبة وأهمها الالتزام بألا يعود لأي ذنب أبدا المطلوب أن يستقبل المسلم شهر رمضان بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله والحرص على أن يُرى الله من نفسه كل الخير والإيمان بأن شهر رمضان هو شهر المغفرة وليحذر مبطلات الثواب وبشكل خاص الجدال والشحناء التي نراها كثيراً وعلينا أن نتأسى بما كان يفعله النبي وأصحابه خلال الشهر الفضيل فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هذا شهر رمضان جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتسلسل فيه الشياطين»، وقال: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه»، فلا بد أن نتوب إلى الله في هذا الشهر المبارك ونعمل على أن نحسن صيامنا وقيامنا وتلاوة القرآن الكريم.

المصدر: البيان