مؤسسة ومدير ة دار ورق للنشر في دبي وكاتبة عمود صحفي يومي بجريدة البيان
فيما مضى، حتى قبل دخولنا عصر العولمة، كان المناهضون لثقافة السوق والرأسمالية، إضافة لعلماء الاجتماع والسلوك يحذرون من تفاقم ثقافة الاستهلاك، لأنها ثقافة ذات مردود لاإنساني على سلوكيات الفرد والمجتمع معاً، فالأفراد الأكثر استهلاكاً غالباً ما يبدون أنانيين، غير مبالين باحتياجات الآخرين، وشرهين مادياً.
إن سلوك الاستهلاك يحتاج إلى وفرة مادية قابلة للإنفاق والاستهلاك الدائم دون الالتفات إلى ضرورته أو أهميته، وأخيراً فإن هؤلاء الاستهلاكيين وبسبب أنانيتهم وشهوة الاستهلاك المتفاقمة لديهم، يضرون بالموارد وبالبيئة، وبمشاعر الآخرين دون اهتمام أو انتباه أو إدراك!
ورغم التحذيرات وآلاف الكتب والمقالات والمحاضرات، إلا أن شراسة السوق كانت أقوى، واستطاع أربابها أن يفرضوا نفوذهم وتحديداً قانون وثقافة الاستهلاك، التي ما عاد أحد ينتبه لها، بعدما تحولت إلى قانون حياة وسلوك عند غالبية الناس وتحديداً في مجتمعات وأوساط الوفرة والغنى، الجديد هو ما جاءت به عولمة التكنولوجيا، ومواقع التواصل، وظاهرة التسوق الافتراضي، التي أشاعت شهوة الاقتناء المتفاقمة وطورتها عبر مضامين وتأثير مشاهير الـ(فيسبوك، سناب شات، إنستغرام..)!
يقوم رواد هذه المواقع والأكثر شهرة ونشاطاً فيها بتصوير كل شيء يقتنونه، ومن ثم عرضه على متابعيهم، عبر رسائل متدفقة ومستمرة: الملابس، السيارات، المطاعم التي يرتادونها، المصايف التي يترددون عليها، الأطعمة التي يتناولونها مع عائلاتهم وأصدقائهم، منازلهم، مجوهراتهم، حقائبهم وحتى الكتب التي يشترونها من معارض الكتب.
بعد عرض كل هذا يبدأ المشاهير في جني المزيد من المتابعات والإضافات والإعجاب والتعليقات، ما يجعل الأمر يتحول عند المتابعين إلى حالة انبهار ورغبة في الحصول على ذات الحالة، وهو ما يمكن توصيفه بشهوة امتلاك أو اقتناء ما لدى الآخرين بغض النظر عن الحاجة الماسة له.
المصدر: البيان