رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
تاريخنا لم يبدأ في الثاني من ديسمبر عام 1971، ربما هذا اليوم مرتبط أكثر بميلاد السعادة والرخاء لشعب الإمارات، هو يوم البداية الحقيقية لمرحلة النماء والتطور، مرحلة بناء الإنسان وبناء الدولة الإماراتية الحديثة، بشكلها الحضاري، لكن إنسان الإمارات وتاريخ هذا المكان ضارب بجذوره في التاريخ، قبل آلاف السنين، وآلاف السنين ليست صيغة مبالغة، بل هي حقيقة أثبتتها الاكتشافات الأثرية المختلفة التي سجلت وجود حياة هُنا قبل أربعة آلاف سنة، وهناك احتمالية قريبة لرفع هذا الرقم إلى عشرة آلاف سنة.
قمة الإبداع، والذكاء، حين ربطت دبي شعار «إكسبو2020» الرسمي بتاريخ الإمارات العريق، فتصميم الشعار المستوحى من مشغولات مصنع أثري للذهب يحمل رسالة للعالم أجمع، بأننا أهل حضارة ضاربة في التاريخ، وبأننا كنا وسنبقى أهل تواصل ومحطة لالتقاء الحضارات، وعاصمة للإبداع.
«صاروج الحديد»، ذلك الموقع الأثري الذي اكتشفه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بنفسه عام 2002 في منطقة «المرموم»، يحمل ثروة أثرية لا تقدر بثمن، ويُثبت أن هذه المنطقة كانت ملتقى للحضارات، ونقطة تواصل عالمية، ليس في التاريخ الحديث فحسب، بل قبل ما يزيد على 4000 عام، ما يؤكد العمق التاريخي للإمارات، وتميز إمارة دبي التي مازالت تواصل هذا الدور الحضاري.
تعمل في «صاروج الحديد» أربع بعثات أثرية، فهناك الفريق الألماني والإسباني والأسترالي والمحلي، وتضم البعثات أهم المختصين والخبراء في هذا المجال، وما اكتشفوه هناك شيء مذهل، اكتشافات غيّرت كثيراً من المفاهيم، وأظهرت حقائق تاريخية غريبة وعظيمة.
عدد المواد الأثرية التي تم اكتشافها إلى الآن تفوق عشرة آلاف قطعة، ومع ذلك فهي لا تمثل أكثر من 5% من المخزون الأثري المتوقع إخراجه من هذه المنطقة، هذه المواد الأثرية تعبّر عن دلالات ومعلومات تاريخية مهمة، وهذا ما يقوم به الخبراء المختصون، فهم غارقون في متعة العثور على القطع والمواد الأثرية، وربطها بالمعلومات التاريخية والرموز التي اكتشفت في مختلف أنحاء العالم، يقول رئيس البعثة الأثرية الإسبانية التي تعد من أفضل البعثات العالمية في التنقيب عن الآثار: «للمرة الأولى في حياتي العملية كلها التي أعثر فيها على قطعة أثرية جميلة ونادرة في أول ساعتين من بدء التنقيب، ما يعني أن هناك ثروة أثرية ضخمة ترقد تحت رمال هذه الصحراء»!
في «صاروج الحديد» تم اكتشاف آثار فرعونية، وأخرى آشورية، ما جعل علماء الآثار يؤكدون أهمية هذه المنطقة في كونها موقع ربط وتواصل بين حضارات العالم، ليس هذا فقط، بل كانت منطقة مأهولة مزدهرة، فوجود مئات الآثار عبارة عن أدوات صيد بحرية يؤكد فرضية وجود نهر أو بحر في هذا الموقع، ما يجعلها نقطة عبور بحرية للوصول إلى الحضارة الفرعونية آنذاك.
ليس هذا فقط، فالمنطقة أيضاً كانت مهمة كنقطة تصدير، حيث تم اكتشاف كميات كبيرة جداً من الأسلحة والسيوف والسكاكين، تدل على أنها كانت تُصنع هنا، وتصدر إلى مناطق مختلفة، إنها لم تكن صحراء قاحلة، بل كانت أرض حضارة وصناعة وتجارة والتقاء وتواصل، كانت كذلك قبل أربعة آلاف عام، وهي كذلك اليوم، إنه امتداد ضارب في التاريخ، ويطمح إلى المستقبل بكل قوة وتفوق.
هذه هي الإمارات التي يجب أن يعرفها العالم، دولة راقية متطورة، لديها «عمق تاريخي من بينونة في أبوظبي إلى (صاروج الحديد) في دبي، إلى وادي المليحة في الشارقة، وانتهاء بجبال رأس الخيمة والفجيرة، عمق تاريخي عمره أكثر من 4000 عام، كنا حلقة تواصل مع حضارات قديمة، وسنبقى نقطة التقاء وتواصل حضاري عبر (إكسبو) وبعده، بإذن الله»، كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
المصدر: الإمارات اليوم