كاتب سعودي
انتهى عيد الأضحى المبارك أعاده الله على الإنسان والمكان بالخير والمحبة، وانتهى موسم الأضاحي، الذي غابت عنه الإبل بقرار حكومي حكيم، وحضرت الأغنام غالباً، لكن حضورها يقل عاماً بعد عام.
قبل ثلاث سنوات، قال وزير الزراعة السعودي – آنذاك – الدكتور فهد بالغنيم، بصراحة ووضوح، في تصريح إلى صحيفتنا «الحياة»: «متوسطو الدخل لا يستطيعون شراء اللحوم الحمراء»، بسبب ارتفاع أسعارها، وعاماً بعد عام نجد متوسطي ومحدودي الدخل لا يستطيعون شراء الأضاحي للسبب نفسه.
وجاءت «الكوبونات» من بعض الجهات لتحل الإشكال نسبياً، فأسعارها أقل من أسعار الأغنام، ربما لأنها تعتمد على شراء أنواع أغنام مستوردة أو من الخارج نفسه، لا تحظى بشعبية كبيرة لدى السعوديين، لكنها تفقد أصحابها أجواء الأضحية، سواء دلالات النحر كما جاءت في الدين الحنيف، أو أجواءها العائلية المتمثلة بأكل الثلث، والاجتماعية المتمثلة بإهداء ثلث، والإنسانية المتمثلة بالتصدق بثلث الأضحية.
أحد الإشكالات أن الأسرة الواحدة تذبح عدداً كبيراً، لأن كل فرد كبير فيها يرغب في الأجر والثواب، ثم يود أن يضحي عن أحد أقربائه الأموات أو الأحياء، ويجب علينا توحيد ذلك في أضحية – أو اثنتين – ترمز إلى كل هذا، وتقلل الهدر والاستهلاك الهائل، وتوحّد المشاعر الأسرية.
مشكلة غلاء الأغنام واللحوم الحمراء لدينا ليست اقتصادية بحتة، فعلى رغم ارتفاع أسعار الأعلاف، المتسبب الرئيس في غلاء اللحوم، تظل مستوياتالاستهلاك مبالغاً فيها حد المرض، ونسب الأمراض تقول بوضوح إن طريقة استهلاك اللحوم لا يمكن معها أن ينجح أي حل اقتصادي.
استهلاك اللحم الأحمر، ومنها الأغنام تحديداً، جزء من ثقافة الكرم والاحتفال، والأغرب أنه أيضاً جزء من ثقافة الأحزان والعزاء، وجزء من ثقافة الترفيه في المخيمات والرحلات البرية، وجزء من ثقافة الاعتذار وتحمل المسؤولية عند البعض، ثم أضف إلى ذلك كلهالاستهلاك الكبير أيضاً في البيوت خلال الوجبات اليومية.
لا يمكن أن ينخفض سعرسلعة يتعامل معها الناس على أنها مسلّمة غذائية لا بد منها، وستظل هذه السلعة ترتفع طالما انخفض سقف الوعي الغذائي، والاجتماعي، ولا بد من إضافة شبه انعدام الوعي البيئي، وخصوصاً ونحن في بلد شحيح الموارد المائية، ورقعة المراعي الطبيعية صغيرة ومتباعدة، ويجدر بنا تنمية الثروة الحيوانية طبيعياً، وعبر الأساليب الحديثة في الزراعة وتربية الماشية.
ليس الأمر دعوة لمقاطعة اللحوم الحمراء، بقدر ما هو دعوة لتقنين استهلاكها، حفاظاً على الصحة العامة وتقليل نسب الأمراض المرتبطة بفرط استهلاكها، ومراجعة قوانين الكميات التي تؤكل أو تقدم للأكل، فهي بكل مقاييس الدنيا كبيرة ومبالغ فيها.
الصورة الواقعية أننا لا نستمتع كثيراً بلحوم العيد لسبب بسيط، أننا نأكلها دوماً وباستمرار، بينما تجد الاستمتاع بها أعلى عند من لا يأكلونها بالوتيرة نفسها، سواء أكان ذلك قسراً بسبب قلة الموارد، أو اختياراً بسبب نمط المعيشة وأسلوب الحياة.
كل عام والجميع بخير، وحجاً مبروراً وسعياً مشكوراً لضيوف الرحمن، وهضماً ميسوراً للمبالغين في التضحية بصحتهم.
المصدر: صحيفة الحياة