ينتظر أن يواصل الاقتصاد السعودي النمو خلال العام الجديد 2013، ولكن بوتيرة أقل مما كان عليه في العام الماضي، وذلك لعدة عوامل تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في ذلك، خصوصا في ظل السياسة الحكومية في الإنفاق وحركة أسعار النفط، والتي ساهمت بشكل كبير خلال السنوات الماضية على ذلك النمو.
وقد تكون أبرز أسباب النمو في الاقتصاد السعودي تكمن في زيادة التوسع في تنفيذ المشاريع الاستثمارية الحكومية، خصوصا في ما يتعلق بالبنى التحتية، إضافة إلى القروض المصرفية التي سيكون لها شأن في دعم النمو، وتراجع الأثر السلبي للاضطرابات التي تشهدها المنطقة على أداء الاقتصاد السعودي وفقا لشركة «جدوى» للاستثمار.
وتوقعت «جدوى» أن يتواصل زخم النمو الاقتصادي القوي لسنة أخرى عام 2013 ولكن بوتيرة أقل، ويعود هذا التباطؤ إلى انخفاض حجم إنتاج النفط، إضافة إلى تراجع معدل التضخم قليلا بسبب انحسار ضغوط الإنفاق المحلي وتقلص الضغوط الخارجية، مبدية تخوفا من عامل قد يؤثر على التوقعات وهو الملامح المستقبلية للدولار الأميركي.
وتوقعت أيضا انخفاضا طفيفا في أسعار النفط نتيجة لتباطؤ نمو الطلب بسبب ضعف الاقتصاد العالمي من جهة، وزيادة العرض نتيجة لتوسع الإنتاج من العراق وأميركا الشمالية من جهة أخرى.
وقالت «جدوى» في تقرير لها إنه على الرغم من أن صورة الاقتصاد ستتحسن عام 2013 لكنه سيكون العام الخامس على التوالي الذي يعتمد فيه النمو الاقتصادي على الإنفاق الحكومي بدرجة كبيرة، ومع أن الحكومة تستطيع تحمل ذلك الإنفاق إلا أن النمو الاقتصادي الذي يأتي نتيجة لذلك لن يكون مثيرا للإعجاب، وفقا لتقرير «جدوى»، في حين تتمحور المخاطر التي قد تقوض تلك التقديرات فتتركز حول تعمق الركود في أوروبا والمخاوف من انعكاس الأوضاع المالية في الولايات المتحدة على الملامح المستقبلية لاقتصاد ذلك البلد، وتأثيرات ذلك على الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء، وجميعها عوامل ستقود على الأرجح إلى خفض الطلب العالمي على النفط الذي يؤدي بدوره إلى تراجع نمو قطاع النفط الذي ستمتد تأثيراته السلبية إلى القطاع غير النفطي.
من جهته قال الدكتور عبد الوهاب أبو داهش الخبير الاقتصادي إن العام الماضي 2012 بلغ فيه النمو في إجمالي الناتج المحلي الفعلي 6.8%، وهو أكبر من المتوقع بكثير، وهو يرجع للإنفاق الحكومي الكبير وارتفاع إنتاج المملكة النفطي، وفي العام التالي له يتوقع قد يكون النمو الاقتصادي أقل بشيء بسيط من 2012 لسببين. ولخص أبو داهش أسباب الانخفاض في النمو الاقتصادي بتراجع أسعار النفط عن مستوياتها في 2012، في وجود ركود حقيقي في الولايات المتحدة إذا لم يتم الاتفاق على حل مسالة الضرائب وخلافها، مشيرا إلى أنه في حال تم الاتفاق أيضا فإن النمو في الولايات المتحدة الأميركية لن يكون بذلك الزخم. وزاد: «النمو الاقتصادي العالمي سيكون أقل في العام الحالي، وبالتالي سينعكس على أسعار النفط وإنتاج السعودية النفطي، الذي سيتراوح ما بين 9 ملايين إلى 9.5 مليون برميل، بأسعار تتراوح ما بين 90 دولارا إلى 95 دولارا، ولا يتوقع أن تتجاوز تلك الأسعار، وهو ما يجعل العام الحالي أقل في النمو».
وأكد أن الإنفاق الفعلي يتجاوز الإنفاق التقديري، حيث زاد 24 في المائة خلال العام الماضي 2012، إلا أن العام المقبل 2013 سيكون الإنفاق الفعلي أقل من الإنفاق التقديري، ونمو الإنفاق الفعلي لن يكون بالحجم الذي كان عليه في 2012، وقد يكون في حدود 15 في المائة عما هو مقدر في الموازنة الحالية، الذي يصل إلى 820 مليار ريال (218.6 مليار دولار)، وهذا يعطي مؤشرا للإنفاق الحكومي.
وسيظل الإنفاق الحكومي الضخم يعمل بمثابة المحرك للاقتصاد غير النفطي، مدعوما بالقروض المصرفية الكبيرة ومتانة الطلب المحلي، بالنسبة للقطاع غير النفطي، تتوقع «جدوى» أن ينمو الناتج المحلي الفعلي للحكومة بنسبة 4,9 في المائة على أساس سنوي بسبب ارتفاع الإنفاق الرأسمالي، في حين ينتظر نمو القطاع الخاص غير النفطي بنسبة 7,8 في المائة. وستسجل المرافق العامة والبناء والتشييد والنقل والبيع بالتجزئة، باعتبارها القطاعات الرئيسية المستفيدة من الإنفاق الحكومي الضخم، أسرع معدلات النمو في الاقتصاد.
وبالعودة إلى أبو داهش أشار إلى أن الطاقة الاستيعابية للإنفاق ستكون محدودة في 2013، وبالتالي هذا سيحد من نمو الإنفاق الفعلي.
وعن دور القطاع الخاص، أشار الخبير الاقتصادي إلى أن معظم الإنفاق سيكون في قطاع النقل والصحة والتعليم، وجميعها مشاريع بناء بنى تحتية، وهي ستدفع تشغيل قطاعات معينة، وهي قطاعات مواد البناء والتشييد، وقطاع الحديد، خصوصا أن تلك القطاعات لها عوامل تجر معها قطاعات أخرى في التشغيل والنمو، وهي ستكون هي المحرك الحقيقي للقطاع الخاص في 2013.
ومن المتوقع أن تسجل أسعار النفط انخفاضا خلال عام 2013 جراء تباطؤ الاقتصاد العالمي وبسبب المزيد من التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط العالمية، وأن يبلغ متوسط سعر النفط من صادر الخام السعودي 99,4 دولار للبرميل، ما يعادل 104 دولارات لخام برنت بحسب تقرير «جدوى». وفي ظل الزيادة المضطردة للإنتاج من العراق وأميركا الشمالية، يتوقع انخفاض إنتاج النفط السعودي بنسبة 1 في المائة إلى 9,6 مليون برميل في اليوم.
ومن المتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط عام 2013 نتيجة للأداء الاقتصاد القوي نسبيا في الأسواق الناشئة، حيث ينتظر أن يفوق نمو الطلب من الدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخصوصا الصين والهند والشرق الأوسط تراجع الطلب لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ومن المتوقع أيضا أن تشكل أسواق آسيا، حسب توقعات منظمة الطاقة الدولية، أكثر من 50 في المائة من نمو الطلب العالمي على النفط عام 2013.
في المقابل سيتراجع نمو الطلب من بقية أنحاء العالم لأن النمو الاقتصادي سيتعافى تدريجيا، حيث يتوقع انكماش الطلب من أوروبا بنحو 0,2 مليون برميل في اليوم خلال العام الحالي. علاوة على ذلك، فإن أي زيادة في تعمق الركود الاقتصادي في منطقة اليورو ستؤثر بشدة على أسعار النفط.
وسيزداد حجم المعروض من النفط على مستوى العالم عام 2013 رغم مخاطر زيادة توقف الإمدادات النفطية، خصوصا من بعض المنتجين في الشرق الأوسط، حيث ينتظر أن تؤدي استعادة ليبيا لمستوى إنتاجها السابق والنمو القوي لإنتاج النفط من العراق وأميركا الشمالية إلى تخفيف حدة الضغوط الناشئة من اختناق الإمدادات جراء الاضطرابات السياسية في سوريا واليمن والسودان وجنوب السودان. وبالمجمل، يتوقع أن يرتفع العرض من الدول خارج منظمة «أوبك» بنحو 0,6 مليون برميل في اليوم عام 2013، حسب تقديرات منظمة الطاقة الدولية، مقابل تراجع طفيف في إنتاج «أوبك».
ويعود تراجع إنتاج «أوبك» بصفة رئيسية إلى انخفاض الإنتاج في إيران، الذي يرجح أن يظل عند مستواه الحالي خلال العام الحالي مع احتمال تراجعه بدرجة أكبر، كما يتوقع أن تخفض السعودية إنتاجها بدرجة طفيفة بغرض المحافظة على توازن السوق بمستوى يحقق لها الأسعار التي تفضلها.
وستشكل المخزونات التجارية الكبيرة بعض الضغط على أسعار النفط، حيث من المتوقع أن تظل مستويات مخزون الخام لدى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عند مستوى مريح من حيث عدد أيام الاستهلاك القادرة على تغطيتها، وكذلك مقارنة بمتوسط حجمها للسنوات الخمس الماضية، ويعكس ذلك معدلات تخزين قوية خلال الشهور السبعة الأخيرة.
يضاف إلى المعطيات الأساسية عاملان أساسيان لا بد من أخذهما في الاعتبار عند تقدير أسعار النفط، هما المخاطر الجيوسياسية والتدفقات المالية. فقد تسببت الاضطرابات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2012 في إضافة علاوة مخاطر إلى الأسعار ستظل ماثلة خلال عام 2013 في ظل ترجيح استمرار حالة عدم اليقين، كما أن التوترات التي تحيط بإيران مرشحة لأن تعمل على بقاء الأسعار مرتفعة.
وتتوقع «جدوى» تسجيل فائض في ميزانية السعودية لعام 2013 قدره 177 مليار ريال (47.2 مليار دولار)، وهو ما يعادل 6,3 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي المتوقع، وذلك على أساس تقدير بأن تأتي أسعار النفط الفعلية أعلى من المستويات التي استخدمت في الميزانية، ما يؤدي إلى تجاوز إيرادات النفط الفعلية الإيرادات المقررة بموجب الميزانية، كما يتوقع أن تساهم العائدات النفطية بمبلغ 1,048.5 تريليون ريال (279.6 مليار دولار) في الميزانية بالإضافة إلى 106 مليارات ريال (28.2 مليار دولار) من العائدات غير النفطية.
وسوف يتخطى الإنفاق الفعلي مستوى الإنفاق المقرر في الميزانية، حيث يوضح أن الإنفاق الفعلي قد تخطى تقديرات الميزانية بمعدل 24 في المائة في المتوسط خلال الأعوام العشرة الأخيرة، ويرجح أن يأتي مدى تجاوز الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة في الميزانية أصغر من التجاوز في العامين السابقين، ويعود ذلك إلى اختفاء تأثير التزامات الصرف المؤقت التي تضمنتها المراسيم الملكية التي تم الإعلان عنها عام 2011 على ميزانية عام 2013. وعليه، يتوقع أن يأتي تخطي الإنفاق الفعلي للمستويات المقررة في ميزانية 2013 قريبا نسبيا من تقديرات الميزانية، ولذلك يتوقع أن يبلغ الإنفاق الإجمالي نحو 871 مليار ريال (232.2 مليار دولار).
ويبلغ مستوى سعر النفط اللازم وفقا لـ«جدوى»، كي تتعادل الإيرادات مع المصروفات العامة، والذي يعرف بالسعر التعادلي، 67 دولارا للبرميل الخام الصادر السعودي ما يعادل نحو 71 دولارا لخام برنت.
وتم حساب هذا السعر على افتراض أن يبلغ متوسط الإنتاج الكلي 9,6 مليون برميل يوميا، وأن يكون الاستهلاك المحلي في حدود مليوني برميل، وأن يكون معدل تحويل إيرادات النفط عند 88 في المائة، ومن المنتظر أن يخفف إنتاج الغاز من حقل كران الذي يتوقع أن يبلغ طاقته الكاملة العام الحالي بعض العبء عن النفط كمصدر للطاقة للاستهلاك المحلي في عام 2013.
وذكر الدكتور عبد الوهاب أبو داهش أن معظم شركات البتروكماويات وصلت إلى حدود الإنتاج، وبالتالي فإن أغلب شركات القطاع ستواجه مصيرا مشابها لمصير قطاع النفط، الذي يتشكل في انخفاض الإنتاج والأسعار.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط