رئيس تحرير صحيفة الإمارات اليوم
دولة الوفاء والعطاء، باختصار هذه هي الإمارات، بسياساتها، وقيادتها، وشعبها، تضرب في كل يوم أروع صور العطاء، وتنشر المحبة والسلام في أنحاء العالم كافة، وتخدم الإنسانية حُبّاً في الإنسان دون تمييز، مهما كان هذا الإنسان، فالإمارات عطاء بلا حدود، وإنسانية تفوق كل معاني الإنسانية.
لا ننسى من أسدى إلينا معروفاً، سواء كان ذلك المعروف من صنيع دولة أو أفراد، ورد الإحسان دائماً ما يكون هُنا في الإمارات بإحسان أكبر منه، فخير الإمارات معين لا ينضب، وبحر عميق لا يمكن لأيٍّ كان أن يصل إلى أعماقه.
«صفية بيغوم» تلك المربية البنغلاديشية المقيمة في الإمارات، وتعمل لدى أسرة إماراتية، ضربت أروع أمثلة التضحية، فقد ضحّت بحياتها من أجل إنقاذ أربعة أطفال إماراتيين: اثنان منهم شقيقان، واثنان آخران من أقاربهما، حين كانت مع العائلة أمام شاطئ خورفكان، ورأت التيارات البحرية تسحب الأطفال أمامها، فقفزت خلفهم تجرهم واحداً تلو الآخر، وأنقذتهم جميعاً بشجاعة من الغرق، وانتشلتهم صفية من أمواج البحر القوية إلى بر الأمان، لكن خلال عملية الإنقاذ سحبتها التيارات المائية إلى عمق البحر، على الرغم من الجهود المضنية والشجاعة التي بذلها والد الطفلين، الذي قفز إلى الماء في محاولة منه لإنقاذ حياتها.
توفيت صفية، وضحت بحياتها ونفسها من أجل أن تهب الحياة للأطفال الأربعة، لكنها في حقيقة الأمر لم تهب الحياة لهم وحدهم فقط، بل بفضل شجاعتها وتضحيتها، وبفضل الوفاء الذي وجدته صفية عند هذه الأسرة المواطنة، ما دفعها لأن تلقي بنفسها خلف الأطفال، والوفاء الذي تكنّه الإمارات لكل المخلصين، أهدت صفية الحياة لأكثر من 3200 طالب وطالبة، من خلال التعليم الذي لم يكن متوافراً لهؤلاء الطلاب في قريتها الصغيرة، أصبحت هناك مدرسة تُخلّد ذكراها، تشيّدها «دبي العطاء»، وبتوجيهات مباشرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حفظه الله.
«صفية بيغوم»، سيظل اسمها خالداً في بنغلاديش، لن تنساها أجيال بعد أجيال، ممن سيتلقون العلم في هذه المدرسة، وهذا أكبر تكريم لها على عملها البطولي الشجاع الخالد، سيظل اسمها يتردد بشكل يومي بدءاً من تاريخ وضع حجر الأساس، والبدء بأعمال البناء في المدرسة الثانوية الوحيدة من نوعها في قريتها الصغيرة.
صفية بتضحيتها هذه وهبت فرصة التعليم للأطفال، خصوصاً الفتيات اللاتي يعشنَ في قرية «باتا بارا» بمنطقة سونامغوني في بنغلاديش. وستقوم «دبي العطاء» أيضاً بتمويل التكاليف التشغيلية للمدرسة لمدة خمس سنوات بعد الانتهاء من البناء. وعلى مدى ست سنوات سينتج عن هذا التدخل فوائد فورية وطويلة الأجل للمجتمع في «باتا بارا»، خصوصاً للفتيات الصغيرات اللاتي لا يستطعنَ مواصلة تعليمهنَّ.
تضحية كبيرة جداً من «صفية»، وفكرة إنسانية مذهلة في كيفية تكريم هذا العمل البطولي، بأسلوب حضاري يعود بالنفع على مجتمعها بأسره، تكريم تجاوز حدود أسرة صفية الصغيرة، ليعود بالفائدة طويلة الأجل على أجيال مقبلة، جميعهم سيتلقون تعليماً مناسباً في مدرسة مناسبة، سيستطيع أبناء وبنات القرية إنهاء مرحلة تعليمية مهمة هي الثانوية العامة، بعد أن حرمتهم الظروف الحصول على هذه الشهادة لسنوات طويلة، لعدم وجود مدرسة في القرية، فأي فكرة هذه، وأي تكريم لذكرى صفية أفضل من ذلك؟!
المصدر: الإمارات اليوم