باحث سعودي
خلاصة القصة التي شغلت جانبا من الرأي العام السعودي في الأسبوع المنصرم أن موظفا في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مدينة حائل الشمالية «أمر» سيدة تلبس النقاب، وهو نوع من غطاء الوجه يظهر العينين فقط، بتغطية عينيها أيضا. وحين جادلته هددها بالشرطة.
انتهت القصة كما نعرف بتدخل رئيس الهيئة الذي اعتذر للسيدة أم عبد العزيز «تقديرًا لكبر سنها وكفاحها في سبيل تأمين لقمة العيش والكسب الحلال». وهذا تدخل إيجابي يعد فضيلة للهيئة ورئيسها.
لكن هذه تفاصيل يعرفها الناس. الذي لفت انتباهي أن أحدا لم يطرح السؤال المفترض في مثل هذه القضية، وهو: هل تصرّف موظف الهيئة بموجب صلاحيات معروفة وموصوفة أم بموجب اجتهاده الشخصي؟
هذا سؤال ضروري لأن أمثال هذه الحادثة تتكرر كثيرا، من جانب الهيئة وغيرها من الأجهزة. وقد لا يصل معظمها إلى الإعلام كما حدث الأسبوع الماضي.
لعل «سيادة القانون» هي أبرز ما يميز النظام الإداري في الدول الحديثة. سيادة القانون تعني ببساطة التزام ممثلي الحكومة، كبارهم وصغارهم، بالحدود التي يسمح بها القانون حين يؤدون وظائفهم. هذا يعني على وجه التحديد منع الموظف من التعويل على اجتهاده الشخصي أو معتقداته الخاصة في معاملة المواطنين.
الأصل في التعاملات الشخصية بين الأفراد أنهم أحرار في أي فعل ما لم يمنع بقانون مكتوب ومنشور. أما الأصل في التعاملات الرسمية فبالعكس تماما، فالموظف الرسمي ممنوع من إلزام المواطن بأي شيء، أو منعه من أي شيء، ما لم يرد الإلزام أو المنع في مادة قانونية، تصف موضوعه وصفا صريحا، وتحدد نطاق التكليف والعقوبات المترتبة على المخالفة، كما تصف الجهة المخولة بتطبيقه.
أعلم أن الوضع في بلدنا مختلف قليلا، لا سيما حين يتعلق الأمر بمجال عمل الهيئات الدينية. ولهذا أسباب تتعلق بعدم رسوخ النموذج البيروقراطي (في معناه الإيجابي) وغلبة الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي تتغطى في أحيان كثيرة بعباءة الدين. لكن أيا كان الحال فإن علينا التأكيد دائما على أن قبول الهيئات الدينية بالعمل تحت مظلة الدولة وفي إطارها، واعتمادها ماليا على الخزينة العامة، يجعلها خاضعة لذات القانون الذي ينظم العمل في هيئات الدولة الأخرى سواء بسواء.
لست في وارد الحديث عن أخلاقيات الدعوة، ولزوم ملاينة الناس كي لا يصبح الدين موضوعا للخلاف، فهذه بديهيات. أهم المسائل في ظني هي التأكيد على كون القانون إطارا لحماية حقوق المواطن وليس انتهاكها. القانون ملجأ يحتمي به الضعيف وليس أداة لطغيان القوي. احترام القانون واللجوء إليه والاعتماد عليه أبرز ميزات المجتمعات المتمدنة. أما في المجتمعات المتوحشة فالحكمة السارية هي «كن ذئبا وإلا أكلتك الذئاب».
المصدر: الشرق الأوسط
http://aawsat.com/home/article/303396