كاتب و رجل أعمال سعودي
طالبت ولا زلت أطالب صانعي الخطط التنموية في الدول المنتجة والمصدرة للبترول والغاز أن يتابعوا تطور صناعة النفط والغاز الصخري الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية منذ أكثر من عشرين عاماً، لأنها وصلت إلى اكتشافات ونتائج مبهرة ستحقق نتائج إيجابية على الاقتصاد الأميركي وستغير خارطة دول إنتاج وتصدير البترول والغاز في العالم. وستعمل هذه الاكتشافات الحديثة لتوفير بدائل الطاقة القادمة من الدول المصدرة للبترول والغاز، وعلى وجه الخصوص من المملكة العربية السعودية وقطر وبقية الدول المنتجة. وستعمل على تغيير مراكز القوة الاقتصادية في العالم وستغير مفهوم أسطورة النفط الذي لا ينضب في الدول المنتجة للبترول. ولم يصبح الأمر يتعلق بحقيقة نضوب أو بقاء البترول وإنما أصبح الأمر يتعلق باقتصاديات شراء الطاقة وتأمينها من مصادرها لأسواق استهلاكها، ويتعلق أيضاً باقتصاديات إقامة المشاريع البترولية والبتروكيماوية في الدول المنتجة للبترول والغاز لتأمين اللقيم لصناعات أوروبية أو أميركية مقارنة بإقامة المشاريع بالقرب من أسواق الاستهلاك للقيم إذا توفر الغاز البديل في نفس البلد فهو الآمن سياسياً والأوفر اقتصادياً.
إن متابعتي لتطور استخراج النفط والغاز من الصخور الزيتية وفي رمال الزيت وفي قيعان المحيطات نتيجة التوسع في استخدام التفتيت الهيدروليكي للصخور الزيتية وحسب إحصاءات إدارة المعلومات للطاقة الأميركية تؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية ستؤمن 82% من احتياجاتها للنفط في عام 2020 وذلك من مصادر محلية، وفي عام 2035 ستتوقف الولايات المتحدة عن استيراد النفط والغاز من دول الخليج ومن السعودية بصفة خاصة. وهذا من وجهة نظري سيكون له تأثيران، الأول: اقتصادي على الدول الخليجية وقد يكون البديل البحث عن أسواق أخرى في الشرق، وقد تكون الهند والصين من البدائل، إلا أن الصين لا يمكن الاعتماد على أسواقها لأنها أيضاً تبحث عن بدائل ولديها البدائل المشابهة للولايات المتحدة. أما الأثر الثاني: فهو سياسي حيث إن درجة الاهتمام السياسي بدول الخليج المرتبط بالمصالح الأميركية والأوروبية قد تنخفض، إلا أن مكانة وموقع المملكة في مركز العالم الإسلامي سيحافظان على أهميتها وقوتها في السياسة العالمية وقوتها في التأثير على أسعار النفط في الأسواق العالمية الأخرى كثاني أكبر منتج للنفط في العالم حالياً.
إن من يتابع تطور التحول لسوق الغاز في الولايات المتحدة يلحظ تحول محطات استيراد الغاز من محطات استيراد إلى محطات تصدير نتيجة توفر الغاز بكميات فائضة في الولايات المتحدة مما سيدفع الأسعار للانخفاض، وعندها ستفقد مصانع البتروكمياويات في المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج الميزة النسبية لإقامتها في المملكة من قبل الشركات العالمية الأميركية والأوروبية كشركاء استراتيجيبن، وأقصد بالميزة النسبية ميزة السعر وقرب التموين للقيم من مصادر الغاز. وهذا الموضوع يقلقني كثيراً على مستقبل مصانع البتروكيماويات السعودية التي تملكها شركة أرامكو أو شركة سابك أو شركات أهلية مساهمة أخرى، وقد تتأثر المصانع الحديثة أكثر لأنها بدأت الإنتاج متأخرة في الوقت الذي انخفضت أسعار منتجاتها دولياً لأسباب الأزمة الاقتصادية المالية في أميركا وأوروبا، وبالتالي تأثرت اقتصاديات تشغيلها التي بنيت عليها دراساتها الاقتصادية، وستواجه هذه المصانع مشكلة أكبر عندما تنخفض أسعار الغاز في الولايات المتحدة بسبب مصانع البتروكيماويات في الولايات المتحدة وأوروبا، وعندها سيتحول المستثمرون العالميون لبناء مصانعهم في الولايات المتحدة، وستتجه المصانع الأميركية والأوروبية القائمة إلى زيادة طاقتها الإنتاجية عن طريق التوسعات في مصانعهم معتمدة على الغاز البديل (الغاز الصخري).
وهذا يدفعني إلى توجيه رسالة عاجلة لصناع قرار التسعير للغاز في دول الخليج وفي المملكة بصورة خاصة بضرورة إعادة النظر في التسعير لتخفيض أسعار الغاز المباع لمصانع البتروكيماويات في المملكة ودول الخليج، وذلك للحفاظ على استمرارها وتحقيقها أرباحا تمكنها من تغطية تكاليفها الممولة من بنوك خليجية حكومية؛ خاصة وأن جزءا كبيرا ممولا من المواطنين من خلال الشركات المساهمة، وبصرف النظر عن نسبة الملكية حكومية أو أهلية فهي استثمارات وطنية مطلوب المحافظة عليها ورعايتها وحمايتها من المنافسة الشرسة التي تواجهها عالمياً، لا سيما أننا استطعنا بناء كيانات صناعية عملاقة في مجال صناعة البتروكيماويات مثل شركة سابك العملاقة التي وصل حجم الاستثمار فيها إلى نحو 300 مليار ريال ويعمل بها عشرون ألف سعودي، علماء وخبراء ومهندسون وإداريون وفنيون، منتشرة مكاتبها في جميع أنحاء العالم، وتسهم في تطوير التقنية والأبحاث وغيرها من الشركات المساهمة العاملة في مجال البتروكيماويات، وهي في أمس الحاجة إلى قرار حكومي استراتيجي يضمن لها الاستمرار والنجاح.
وإنني في مقالتي هذه اليوم أحذر صناع قرار التسعير للقيم الغاز لصناعات البتروكيماويات في المملكة ودول الخليج بضرورة إعادة حساباتهم لضمان الحفاظ على الاستثمارات الوطنية وعدم التسرع باتخاذ قرار رفع الأسعار في ظل ظروف المنافسة القاتلة التي تواجهها صناعة البتروكيماويات من الولايات المتحدة وأوروبا. وأرى أنه من الضروري جداً أن يُعرض هذا الموضوع على المجلس الاقتصادي الأعلى وألا يتخذ قرار برفع أسعار لقيم الغاز إلا بعد موافقة المجلس الأعلى الاقتصادي وبالتنسيق مع شركات مصانع البتروكيماويات في المملكة. لأن هذا القرار له أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية على المدى البعيد. ومن يتابع نتائج أرباح الشركات العاملة في مجال البتروكيماويات يلحظ عدم تناسب الأرباح مع حجم الاستثمارات بل هي في انحدار.
إن مستقبل مصانع البتروكيماويات في دول الخليج مرهون بقرارات داعمة من حكومات دول الخليج، وإلا فإن صناعة البتروكيماويات في خطر.
المصدر: الوطن أون لاين