كاتب و ناشر من دولة الإمارات
من الذي يصنع البذيء، (أيّ بذيء القول والفعل)؟
عادة ما يتوارد إلى ذهني هذا السؤال وأنا أتصفح التعليقات والردود، وكذلك المشاركات في وسائل التواصل الحديثة، حيث يتدفق كمّ هائل من التعليقات السلبية والمبتذلة، التي لا تساعد على الهدف الرئيس من تنمية الحوار أو النقاش.
ثم أسأل نفسي ثانية: هل نحن نواجه أزمة لغوية أو أخلاقية؟
منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت شرخاً عميقاً في المجتمع، وفي كثير من الأفراد من مستخدميها، وبرزت تناقضاتهم وضحالة فكرهم في العالم الافتراضي، وظهر للعيان الوجه الآخر لمجتمع مختلف، حاولنا لسنين أن نتجاهله، وأصبح علينا أن نتعامل مع البذاءة وصناعة التفاهة بصفة يومية، ضريبة علينا دفعها، ولم نتسبب فيها!
نتفق جميعاً على الحقيقة العلمية القائلة: إن الإنسان لا يولد بذيئاً، بل تتشكل معه هذه الصفة المكتسبة والمتراكمة، التي تؤثر في نفوس الأفراد، ما يجعل البعض يذهب إلى أبعد من ذلك في تحليل هذه الظاهرة، ويصفها بأنها جزء من آلية دفاعية يلجأ إليها البعض، ليحموا أنفسهم حتى وهم يتأهبون وراء أجهزة الاتصال، ويختبئون في الظلام بأسماء مستعارة.
وفي دراسة لعلم النفس الاجتماعي، أنجزتها إحدى الجامعات الأميركية، عن ردود أفعال الأفراد، من خلال تعريضهم للتنمّر أو الشتيمة من قبل أشخاص عابرين في الشارع، فقد أثبتت الدراسة أن ردة الفعل تكون أكثر تفاعلية، وربما قاسية، إذا كان الفرد ينحدر من خلفية محافظة، وقامت تربيته على أسس ومبادئ النبل والشرف. وفي المقابل أظهرت الدراسة أيضاً أن أغلب سكان المدن العملاقة كنيويورك ولوس أنجلوس لا يلتفتون إلى القذف الكلامي والتحرش اللفظي من العابرين، ولا يعيرونه انتباهاً، ويكملون طريقهم.
في هذا الفلك، هل يمكن لأحد أن يحسم النقاش أو الجدل في صدد استخدام البذاءة والنطق بها؟ يبدو لي ذلك مستحيلاً. ولابد من اختيار طريق آخر هو مقارعة الفكر بالفكر، وتبادل الاحترام من أجل إثراء الحوار، إلا أن ضعف البعد اللغوي والفكري لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، أدى إلى تضخيم هذه الظاهرة، أي استخدام البذاءة، خصوصاً عندما يستخدم المتفاعلون والمؤثرون في الإعلام الجديد لغة سطحية تجسد مستواهم الأخلاقي والفكري، ويتأثر بهم غالبية المتابعين بشكل مباشر أو غير مباشر، وخصوصاً في تأثيراتهم في الجيل الجديد والمنحدرين من فئات عمرية وثقافية مختلفة.
لذلك، لا تُصدَم، عزيزي القارئ، من الضحالة الفكرية واللغوية لكثير من المؤثرين في شبكات الإعلام الجديد، المعتمد كلياً على اللغة، ولا تُصدَم أيضاً أن كثيرين من غير المؤثرين يتمتعون بثراء لغوي وفكري، ولهم إضافات نوعية، سواء للمتابعين أو القرّاء.
صحيح أن مجتمعاتنا تعاني أزمة لغوية أججها استخدام الإعلام الخاطئ، وتدني مستوى القراءة والمعرفة في المجتمعات العربية، وهذا سرعان ما يظهر في مستوى أجيالنا كوضوح الشمس!
ولفهم هذه التجربة، عليك أن تسأل من يتصدر واجهة التأثير الإعلامي في المجتمع؟
قديماً قال أحد الحكماء: «ليت لي عنق الجمل حتى أزن الكلمة قبل النطق بها». وما بين البعير والبذاءة تتشكل مجتمعاتنا وتتطور، ويبرز مؤثرون ومصطلحات جديدة يتداولها الجمهور من دون حذر.
يقول صاحبي: لم تجب عن السؤال حتى الآن، من الذي يصنع البذيء؟
قلت له: نحن صنعناه بأنفسنا!
مجتمعاتنا تعاني أزمة لغوية أججّها استخدام الإعلام الخاطئ، وتدني مستوى القراءة.
المصدر: الإمارات اليوم