كاتب من الإمارات
الغرب محتاج إلى العالم الإسلامي والمسلمون بحاجة إلى الغرب؛ فلولا حضارة الإسلام لما وصل الغرب إلى ما هو عليه من تطور اليوم، ولولا تطور الغرب لما حصل العرب والمسلمون على ما ينعمون به من ثمار الحضارة الغربية العلمية. لذلك فإن ظهور خطاب الكراهية للإسلام والمسلمين في أميركا وأوروبا، وبالصورة التي يتواصل نموها منذ نحو ثلاثة عقود، يحتاج قراءةً منهجية دقيقة، لأن مثل هذا الخطاب لا يحدث بصورة عفوية وتلقائية، بل عادة ما يأتي كنتاج لجهود وأفكار مدروسة. وفي اعتقادي أن الهدف منه هو صرف الانتباه عن الوعي الجديد الذي أخذ يظهر في العلاقة بين الشرق والغرب، والذي يفترض أن يتم تطويعه لخدمة الطرفين ولمنع حالة التوتر والصراع.
إن تشجيع الكراهية للإسلام واستمرار تصاعدها، يعني وجود اتجاه لإيجاد قوة موحدة في وعي الغرب تنظر إلى الإسلام من زاوية الصراع والتناقض، وليس من زاوية التعاون والتكامل والاحترام المتبادل، رغم حقيقة أن اختلاف الخصوصيات الثقافية والدينية لا يعني بالضرورة وجود صراع أو تناقض، بل قد يخلق حالةً من التعاون والتعارف والفهم الصحيح بين الدول والشعوب.
وفي كل الأحوال ينبغي على العرب والمسلمين ألا يتركوا للأطراف اليمينية المتطرفة واللوبي الصهيوني في الغرب المجال لتكريس حالة العداء التي غالباً ما يحولونها إلى صناعة تدرّ مكاسب سياسية واقتصادية وفيرة، حيث أصبحت “صناعة الخوف” من الإسلام شغلاً رئيسياً لمثل هذه الأطراف، وعلى الأخص “اللوبي الصهيوني” في أميركا وأوروبا. فالخطاب المعادي يمكّن هذه الفئة من تحريك أجندة السياسة الغربية إلى الهدف الذي تريده في الشرق الأوسط، والذي تصرف من خلاله الانتباه عما يجمع الشرق والغرب من مجال للتعاون الممكن، حيث استطاعت تلك الفئة أن تجعل صناعة الخوف سلاحاً لإرهاب العالم العربي، وأن تستخدمه لإخافة السياسة وقادة الفكر في المجتمع الغربي، ولتبرير سياساتها في المنطقة… والشواهد على ذلك كثيرة.
ولو رجعنا إلى بعض الإشكالات التي حدثت بين الطرفين في العقود الماضية، وبخاصة الحروب التي عرفتها المنطقة العربية وسقط فيها آلاف الضحايا، لوجدنا أن صناع الخوف من الإسلام كان لهم الدور المؤثر في تحريك تلك الحروب والأزمات، وذلك باستخدام كل الأساطير والمبالغات وتوظيفها بكل الوسائل التي من شأنها العمل على تخليق وتحريك الصراعات بين الشرق والغرب، جاعلةً “الخطر الإسلامي” على رأس أولويات أجندة السياسة الغربية.
وإذا أردنا أن نسلسل تاريخ ذلك الخوف في الذاكرة الغربية، فسنجد أن ثمة تراثاً لهذه الحالة النفسية، لكنه كان نائماً في أغلب الفترات، ولم يكن بهذا الحجم والحدة الذين نجده عليهما اليوم، إلى أن دخلت اليد “الصهيونية” لإيقاظه وتوظيفه، وتحويله إلى سلعة شديدة الرواج.
ينبغي الاعتراف بحقيقة القصور في الجهود التي تبذل من الشرق والغرب لخلق حالة من التعاون المفيد والفهم الخلاق، بما يمنع إيقاف مثل ذلك الخطر الذي يعترض علاقتهما، خاصة فيما يتعلق باستخدام العقائد الدينية لإشعال الحروب والصراعات بين الدول، بدلاً من وظيفتها الحقيقية في تحقيق السلام والأمن والاستقرار والتعاون. يحدث ذلك رغم وجود نسبة لا يستهان بها من سكان العالم العالم الإسلامي تنتمي عقدياً إلى الدين المسيحي، ووجود عدد كبير من المسلمين في الغرب. والمثال الواضح في هذا الخصوص أن المسلمين والمسيحيين، وأصحاب العقائد الأخرى، في العالمين العربي والغربي، يعيشون جميعاً متشاركين في العمل والتجارة ومختلف أوجه الحياة.
المصدر: جريدة الاتحاد