صناعة المحتوى.. صناعة الوعي

آراء

عند الإبحار في محيطات وأعماق وسائل التواصل الاجتماعي بحثاً عن معلومة أو خبر أو رأي في موضوع أو قضية معينة، تصادفك مقاطع مرئية «فيديو» أو صور أو محتوى مكتوب، هذا المحتوى الذي تعج به منصات التواصل الاجتماعي منه ما يحمل فائدة وقيمة معرفية وفكرية إلا أنه قليل للأسف الشديد.

وفي الجانب الآخر محتوى ليته بلا فائدة ولا قيمة فقط، بل هو أقرب إلى التلوث الفكري إن لم يكن سماً يقتل الوعي الفكري، وأقلها يصيب الفكر بخلل وعدم اتزان، من خلال ذلك المحتوى يتبين لنا أنه حتى الذائقة لدى البعض قد أصابها خلل وفساد وانحدار.

صناعة المحتوى الإعلامي وكتابته ونشره أمانة، يجب على كل من يصنع المحتوى أو ينشره أن يعي ذلك، سواء كانت مؤسسات إعلامية أم أفراداً يملكون حسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، هناك من يقترح ويقول الحل بترك وهجر كل وسائل ومنصات التواصل الاجتماعي، من جهتي لا أتفق مع هذا الرأي لأسباب عدة، منها أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم من المصادر المهمة والسريعة لمتابعة المستجدات وتحديث المعلومات السريعة، إضافة إلى إسهامها في تكوين علاقات بين أصحاب الاهتمام المشترك متجاوزة الحدود الجغرافية، كما أنها واقع لا بد من التعامل معه، لكن بوعي وفهم.

انتشار المحتوى السلبي أو الضار أو المحتوى الذي لا يقدم فائدة ليس مقتصراً على وسائل التواصل الاجتماعي، بل حتى إن المؤسسات الإعلامية «التقليدية» من قنوات تلفزيونية أو صحفية تعاني من المشكلة نفسها، رغم وجود الآلاف من القنوات التلفزيونية الفضائية، كم هي القنوات الفضائية التي«أنت كمشاهد» حريص على أن تتابعها لأنها تقدم لك المفيد؟

بل هناك من يرى كثرة الوجود على وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية؛ لأن وسائل الإعلام التقليدي لا تقدم شيئاً مفيداً إلا ما ندر.

لا أريد التطرق إلى صناعة التفاهة، فللأسف انتشار التفاهة أصبح أمراً واقعاً، إذ إن لها جمهورها، بل لها من يدافع عنها ويستميت من أجلها ويضع المبررات للدفاع عنها؛ لذا لا بد من العمل على زيادة الإنتاج الفكري والمحتوى المفيد الذي يرفع من مستوى الذائقة لدى الأفراد ويزيدهم علماً وفكراً، ويعزز من السلوك الإيجابي الذي يصب في النهاية لفائدة الفرد؛ وبالتالي تعود الفائدة على الأسرة حتى تصل إلى المجتمع، فيصبح لدينا مجتمع واعٍ يقوم بدوره في المشاركة في بناء وطنه بوعي وفكر مستنير.

هنا نعود لنستذكر كلمة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث قال: «إن صناعة المحتوى هي صناعة للوعي والثقافة، وداعم أساسي لمسيرة التنمية البشرية، وتلعب دوراً مؤثراً في مسيرة البناء والارتقاء الدائم بمنظومة العمل وتسليط الضوء على الإنجازات»، من كلمات سموه نفهم ويتأكد لنا أنه لدعم مسيرة التنمية البشرية لا بد من الوعي والثقافة.

إذاً يجب على كل من ينشر أو يصنع محتوى أن يتصف بالوعي والثقافة، سواء كان مؤسسة إعلامية أم فرداً يملك وسيلة للتواصل مع الجمهور، كحساب على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مساحة في صحيفة، ككاتب المقال والرأي، فلا يمكن أن يصنع الوعي من لا يملكه، فكما يقال:

«فاقد الشيء لا يعطيه»، فبكل صراحة لا يمكن لصانع التفاهة أن يصنع وعياً، ولا يمكن لمن يدعم صناعة التفاهة أن يسهم في صناعة الوعي، ولا يمكن لمن يدعم ويبرز صناع المحتوى التافه أن يقوم بدور مؤثر إيجابي.

لكن المسؤولية الأولى والكبرى كما أرى لدعم المحتوى المفيد ضد المحتوى التافه والضار تقع على عاتق المتابعين والجمهور، فبيدهم هم تقع مسؤولية اختيار ما ينفعهم ويزيدهم علماً وفكراً ويضيف لهم قيمة معرفية،.

والحذر مما يضرهم، بل مما قد يسبب لهم «تعفناً فكرياً»، وبما أن الشيء بالشيء يذكر، نذكر لكم أن «قاموس أوكسفورد» قد اختار مصطلح «تعفّن الدماغ» ليكون كلمة العام 2024، المصطلح يصف التدهور العقلي الذي ينتج عن الاستمرار في التعرض للمحتوى غير المفيد، فعقولنا أمانة، فلنحمها من التعفّن الفكري.

المصدر: البيان