افتتحت مديرة صندوق النقد كريستين لاغارد العام الجديد بإعلان تاريخي مفاده أن خطر الانهيار الاقتصادي الذي فرضته أزمة الائتمان العالمية جرى تجاوزه، لكن صنّاع القرار لا يمكنهم الاعتقاد بأن مهمتهم انتهت أو أن يسمحوا بعودة الأمور إلى سابق عهدها، فالحؤول دون تكرار الأزمة وأخطارها الكارثية يتطلب تركيزاً على الاقتصاد الحقيقي والنمو.
ولخص إعلان لاغارد ما توصل إليه خبراء الصندوق في مراجعته لمستجدات آفاق الاقتصاد العالمي والتي نشرت أمس وتفيد بأن حركة النشاط الاقتصادي على المستوى العالمي مقبلة على الانتعاش في 2013، وهو العام الخامس منذ بدء أزمة الائتمان، بيد أن التحسن سيكون تدريجياً ومحفوفاً بأخطار على رغم انحسار العوامل الأساسية الكابحة للنمو المتـمثـلة في الاضطـرابات المالية، خصوصاً في الولايات الـمتـحدة وفي درجة أكبر منطقة اليورو التي تعاني انكماشاً وتقشفاً طال أمدهما.
وانعكست مخاوف خبراء الصندوق في شأن التحسن التدريجي المحفوف بالأخطار في ما أدخلوه من تعديلات سلبية على توقعات النمو التي سجلوها في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وبدا لهم الآن أنها كانت متفائلة أكثر من اللزوم. ولم تنج حركة التجارة العالمية بصادراتها ووارداتها وأيضاً أسعار السلع النفطية وغير النفطية من تعديل توقعاتها سلباً.
تعديلات سلبية
وجاءت التعديلات السلبية طفيفة في غالبيتها العظمى، وتمثَّل واحد من استثناءين وحيدين في انخفاض متوقع في أسعار النفط، إذ رفع خبراء الصندوق نسبة التراجع المحتملة في متوسط أسعار الخامات العالمية (برنت ودبي والخام الأميركي الخفيف) في السنة الجارية من واحد في المئة في تشرين الأول إلى 5.1 في المئة حالياً (أي من 105.08 دولار للبرميل في 2012 إلى 99.71 دولار في 2013). وشكلت أسعار الصفقات الآجلة المصدر الأساس لتوقعات الصندوق الأصلية والمعدلة على حد سواء.
وتركز الاستثناء الثاني في آفاق اقتصادات منطقة اليورو في المدى القريب فجرى تعديل توقعات السنة الجارية من نمو إيجابي بنسبة 0.2 في المئة إلى انكماش بنسبة مماثلة، وفي حال تحقق ذلك ستكون 2013 سنة النمو السلبي الثانية على التوالي في منطقة لا يقل ثقلها الاقتصادي وبالتالي خطرها على الاقتصاد العالمي عن الاقتصاد الأميركي.
وعزا خبراء الصندوق أسباب الانكمـاش المـتوقع في منطقة اليورو إلى تأخر انتقال منافع انحسار أخطار أزمتها المالية، خصوصاً تقلص فروق العائدات على الديون السيادية في الدول الواقعة على أطراف المنطقة وتحسن السـيولة المصـرفية إلى الـنشاـط الاقتراضي للقطاع الخاص، عـلاوة على استمرار التشكيك في قدرة المنطقة على التوصل إلى تسوية نهائية لأزمتها المالية على رغم كل ما تحقق على هذا الصعيد في الآونة الأخيرة.
وفي حين شدد خبراء الصندوق على أن معوقات النمو في منطقة اليورو ستبدأ بالتراجع في 2013 «شرط الاستمرار بتطبيق الإصلاحات المقررة لمعالجة الأزمة»، حذروا من أن انتكاس الإصلاح يشكل أحد أهم الأخطار التي تهدد أداء الاقتصاد العالمي، مشيرين إلى أن أبرز الأخطار الأخرى تشمل «الإفراط في التقشف المالي في الولايات المتحدة في المدى القصير».
تقديرات
ووفق التقديرات الأساسية للصندوق يتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 3.5 في المئة في 2013 محققاً تحسناً طفيفاً مقارنة بالسنة الماضية، لكن بدء اقتصادات منطقة اليورو بالتعافي والانتقال إلى النمو الإيجابي (وبنسبة واحد في المئة) من شأنه أن يساهم في رفع وتيرة النمو العالمي إلى 4.1 في المئة في 2014. وفي حال استمرت الأوضاع المالية العالمية بالتحسن لم يستبعد الصندوق احتمال تجاوز هذه النسبة العالمية للمرة الأولى منذ أزمة الائتمان.
وعلى رغم التقشف المالي الذي قدر الصندوق حجمه بنحو 1.25 في المئة من ناتجها المحلي في السنة الحالية، ينتظر أن تتعزز مساهمة الولايات المتحدة في أداء الاقتصاد العالمي بعد نمو اقتصادها بنسبة اثنين في المئة في 2013 وثلاثة في المئة في 2014، إلا أن الاقتصادات الصاعدة وبمساهمة قوية من الصين وفي درجة أقل الهند والبرازيل والمكسيك ستحتفظ بدورها الجديد قاطرة رئيسة مع ارتفاع متوسط نسب نموها إلى 5.5 في المئة في السنة الجارية ومن ثم إلى 5.9 في المئة في السنة المقبلة بالمقارنة مع 5.1 في المئة في 2012.
أما الدول العربية التي تواجه احتمال انخفاض متوسط أسعار النفط العالمية بنسبة 2.9 في العام المقبل وللسنة الثانية على التوالي و «يحتاج كثير منها إلى الحفاظ على اقتصاداتها الكلية في ظروف داخلية وخارجية صعبة»، فلم يطرأ تغير يذكر على تقديراتها التي ترجح أن ينخفض متوسط النمو لديها إلى 3.4 في المئة في 2013 مقارنة بـ 5.2 في المئة في 2012، لكنه سيتسارع إلى 3.8 في المئة في 2014.